الملّاحة سار أعيانهم فى البرّ إلى الأفقسيّة وهى مدينة قبرس ودار ملكها، وبلغ متملّك قبرس مجيئهم فخرج إلى لقائهم وزير الملك فى أكابر أهل قبرس، فأنزلوهم هناك وباتوا ليلتهم بالمكان المذكور، وأصبحوا من الغد وهو يوم الاثنين ثانى عشر المحرم عبروا المدينة ودخلوا على الملك جوان بن جينوس بن جاك فى قصره فإذا هو قائم على قدميه فسلمّوا عليه وبلّغوه الرسالة وأوصلوه كتاب السلطان، كل ذلك وهو قائم على قدميه، فأذعن بالسمع والطاعة، وقال: أنا مملوك السلطان ونائبه، وقد كنت على عزم أن أرسل التقدمة، فبلغنى قدومكم فأمسكت عن ذلك، فكلّموه أن يحلف على طاعة السلطان، فأجابهم إلى ذلك، واستدعى القسيسين وحلف على الوفاء وعلى الاستمرار على الطّاعة والقيام بما يجب عليه من ذلك، فعند ذلك أفيض عليه التّشريف السلطانى المجهّز له على يد كبير القوم، فلبسه وقد أظهر السرور والبشر بذلك، ثم خرجت الرسل من عنده فداروا بالمدينة وهم ينادى بين أيديهم باستقرار الملك جوان فى نيابة السّلطنة بمدينة الأفقسيّة وسائر ممالكها، وأن لأهل قبرس الأمان والاطمئنان، وأمروهم بطاعته وطاعة السلطان إلى أن داروا البلد، ثم أنزلوهم فى بيت قد أعدّ لهم، وأجرى عليهم من الرّواتب ما يليق بهم من كل ما عندهم.
ثم حمل إليهم فيما بعد سبعمائة ثوب صوف قيمتها عشرة آلاف دينار، وذلك مما تأخّر على أبيه، ثم أظهر خصم أربعة آلاف دينار أخرى، ووعد بحمل العشرة آلاف دينار الباقية بعد سنة، ثم بعث إليهم أيضا بأربعين ثوبا صوفا برسم الهديّة للسلطان، ثم أرسل لكل من الرّسل شيئا بحسب مقامه وعلى قدره، ثم أخذ فى تجهيزهم وتسفيرهم حتى كان سفرهم من قبرس بعد عشرة أيام من قدومهم إلى اللّمسون، فأقاموا [بها]«١» إلى أن تهيئوا وركبوا البحر وساروا فيه ستّة أيام ووصلوا إلى ثغر دمياط، ثم خرجوا من مراكبهم وركبوا المراكب فى بحر النيل إلى أن قدموا القاهرة، وطلعوا إلى السلطان وعرّفوه ما وقع لهم مفصّلا وما معهم من الصّوف وغيره، فقبل السلطان