يا حسن الخلق والوجه حساب الخلق كلهم عليك؛ قال: فبكى الرشيد وشهق، فرددت عليه حتى جاء الخدام فحملوني وأخرجوني. وعنه قال: الخوف أفضل من الرجاء ما دام الرجل صحيحاً، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل. وقال الفضيل: قول العبد أستغفر الله يعني أقلني يا رب.
قلت: روي عن علي بن أبى طالب رضى عنه أنه قال: أتعجب ممن يهلك ومعه النجاة، قيل: وما هو؟ قال: الاستغفار. وقال بعض المشايخ في دعائه:
اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو الاستغفار والإيمان، وعصيت الشيطان في أبغض الأشياء إليك وهو الشرك فاغفرلى ما بينهما. وكان بعض المشايخ يقول أيضا: اللهم إن حسناتي من عطائك وسيئاتي من قضائك، فجد بما أعطيت على ما به قضيت حتى يمحى ذلك بذلك. وفيها قتل جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك قتله الرشيد لأمر اقتضى ذلك واختلف الناس في سبب «١» قتله اختلافاً كبيراً يضيق هذا المحل عن ذكره. وكان قتله في أول صفر من هذه السنة، وصلبه على الجسر وسنه سبع وثلاثون سنة وقتل بعده جماعة كثيرة من أقاربه البرامكة. وكان أصله من الفرس، وكان جعفر جميلاً لسناً أديباً بليغاً عالماً يضرب بجوده الأمثال، إلا أنه كان مسرفا على نفسه غارقا في اللذات؛ تمكن من الرشيد حتى بلغ من الجاه والرفعة ما لم ينله أحد قبله وولي هو وأبوه وأخوه الفضل الأعمال الجليلة. وكان أبوه يحيى قد ضم جعفراً إلى القاضي أبي يوسف يعقوب حتى علمه وفقهه وصار نادرة عصره.
يقال: إنه وقع في ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع ونظر في جميعها، فلم يخرج شيئاً منها عن موجب الفقه والعربية. وكان جعفر مثل أخيه الفضل في السخاء وأعظم. وأما ما حكي من كرمه فكثير: من ذلك أن أبا علقمة الثقفي صاحب الغريب