بلغت أربعين ألفاً، وقيل: أربعة آلاف وسبعمائة. وفيها حج الرشيد بالناس وهي آخر حجة حجها، وكان الفضيل بن عياض قال له: استكثر من زيارة هذا البيت فإنه لا يحجه خليفة بعدك. وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري، كان إماماً عالماً صاحب سنة وغزو وكان صاحب حال ولسان وكرامات.
قال الفضيل بن عياض: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وإلى جانبه فرجة فذهبت لأجلس فيها، فقال: هذا مجلس أبى إسحاق الفزارىّ. وفيها توفّى إبراهيم ابن ماهان بن بهمن أبو إسحاق الأرجاني النديم المعروف بالموصلي، أصله من الفرس ودخل إلى العراق، ثم رحل إلى البلاد في طلب الأغاني، فبرع فيها بالعربية والعجمية؛ وكان مع ما انتهى إليه من الرياسة في الغناء فاضلاً عالماً أديباً شاعراً؛ نادم جماعة من خلفاء بني العباس؛ وكان ذا مال، يقال: إنه لما مات وجد له أربعة وعشرون ألف ألف درهم، وهو والد إسحاق النديم المغني أيضاً. حكي أن الرشيد كان يهوى جاريته ماردة؛ فغاضبها ودام على ذلك مدة، فأمر جعفر البرمكي العباس بن الأحنف أن يعمل في ذلك شيئاً، فعمل أبياتاً وألقاها إلى إبراهيم الموصلي هذا فغنى بها الرشيد، فلما سمعها بادر إلى ماردة فترضاها، فسألته عن السبب فقيل لها، فأمرت لكل واحد من العباس وإبراهيم بعشرة آلاف درهم، ثم سألت الرشيد أن يكافئهما، فأمر لهما بأربعين ألف درهم. والأبيات:
العاشقان كلاهما متجنب ... وكلاهما متبعد متغضب
صدت مغاضبة وصد مغاضباً ... وكلاهما مما يعالج متعب
راجع أحبتك الذين هجرتهم ... إن المتيم قلما يتجنب
إن التجنب إن تطاول منكما ... دب السلو له فعز المطلب