ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه
وكان الأليق الإضراب عن تلك المقالة الشنعة فى حقه من وجوه عديدة، غير أن الشيخ تقي الدين كان ينكر «١» عليه أمورا، منها انقياده إلى مباشرى دولته فى مظالم العباد، ومنها شدة حرصه على المال وشرهه فى جمعه، وأنا أقول فى حق [الملك]«٢» الأشرف ما «٣» قلته فى حق [الملك]«٤» الظاهر برقوق فيما تقدم، فهو بخيل بالنسبة لمن تقدّمه «٥» من الملوك، وكريم بالنسبة لمن جاء بعده إلى يومنا هذا؛ وما أظرف قول من قال:[الكامل]
ما إن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأوّل
وأما قول المقريزى:«وانقياده لمباشريه» - يشير بذلك إلى الزينى عبد الباسط- فإنه كان يخاف على ماله منه، فلا يزال يحسّن له القبائح فى وجوه تحصيل المال، ويهوّن عليه فعلها حتى يفعلها الأشرف وينقاد إليه بكليّته، وحسّن له أمورا «٦» لو فعلها الأشرف لكان فيها زوال ملكه، ومال الأشرف إلى شىء منها لولا معارضة قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى له فيها عندما كان يسامره بقراءة التاريخ، فإنه كان كثيرا ما يقرأ عنده تواريخ الملوك السالفة وأفعالهم الجميلة، ويذكر له ما وقع لهم من الحروب والخطوب والأسفار والمحن، ثم يفسر له ذلك باللغة التركية، وينمقها بلفظه الفصيح، ثم يأخذ فى تحبيبه لفعل الخير والنظر فى مصالح المسلمين، ويرجعه عن كثير من المظالم، حتى لقد «٧» تكرر من الأشرف قوله فى الملأ: «لولا القاضى العينى ما حسن إسلامنا، ولا عرفنا كيف نسير فى المملكة» . وكان الأشرف اغتنى بقراءة العينى له فى التاريخ عن مشورة الأمراء فى المهمات، لما تدرب بسماعه للوقائع السالفة