مصر يوم الخميس لعشر خلون من شهر رمضان من السنة المذكورة وسكن المعسكر؛ وجعل على شرطته كاملاً الهنائي ثم معاوية بن صرد، ثم جمع له الرشيد بين الصلاة والخراج في يوم الأربعاء لسبع خلون من شهر رجب سنة إحدى وتسعين ومائة.
ولما ولي الخراج تشدد فيه فخرج عليه أهل الحوف بالشرق من الوجه البحري وامتنعوا من أداء الخراج، وخرج عليهم أبو النداء بأيلة «١» في نحو ألف رجل وقطع الطريق وأخاف السبل، وتوجه من أيلة إلى مدين، وأغار على بعض نواحي قرى الشأم وآنضم إليه من جذام وغيرها جماعة كبيرة وأفسدوا غاية الإفساد، وبلغ أبو النداء المذكور من النهب والقتل مبلغاً عظيماً، حتى بلغ الرشيد أمره، فجهز إليه جيشاً من بغداد لقتاله. ثم بعث الحسين بن جميل هذا من مصر عبد العزيز الجززىّ «٢» في عسكر آخر فالتقى عبد العزيز بأبي النداء المذكور بأيلة وقاتله بمن معه حتى هزمه وظفر به.
وعند ما ظفر عبد العزيز بأبي النداء المذكور وصل جيش الخليفة الرشيد إلى بلبيس في شوال سنة إحدى وتسعين ومائة، فلما رأى أهل الحوف مسك كبيرهم ومجيء عسكر الخليفة أذعنوا بالطاعة وأدوا الخراج وحملوا ما كان انكسر عليهم بتمامه وكماله.
فلما وقع ذلك عاد عسكر الرشيد إلى بغداد. وأخذ الحسين هذا في إصلاح أمور مصر.
فبينما هو في ذلك قدم عليه الخبر بعزله عن إمرة مصر بمالك بن دلهم وذلك في يوم ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائة، فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وسبعة أشهر وأياما.