للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يخلف بعده مثله، لأنه كان جمع بين العلم والعمل مع الورع الزائد والزهد والعبادة والتحرى فى مأكله ومشربه من الشبهة وغيرها، وعدم قبوله العطاء من السلطان وغيره، وقوة قيامه فى إزالة البدع ومخاشنته لعظماء الدولة فى الكلام، وعدم اكتراثه بالملوك واستجلاب خواطرهم، وهو مع ذلك لا يزداد إلا مهابة وعظمة فى نفوسهم، بحيث أن السلطان كان إذا دخل عليه لزيارته يصير فى مجلسه كآحاد الأمراء، من حين يجلس عنده إلى أن يقوم عنه، والشيخ علاء الدين يكلمه فى مصالح المسلمين ويعظه بكلام غير منمّق، خارج عن الحد فى الكثرة، والسلطان «١» سامع له مطيع. وكذلك لما سافر السلطان إلى آمد، أول ما دخل إلى دمشق ركب إليه وزاره وسلّم عليه، فهذا شئ لم نره وقع لعالم من علماء عصرنا جملة كافية. وهو أحد من أدركناه من العلماء الزهّاد العبّاد، رحمه الله [تعالى] «٢» ونفعنا بعلمه وبركته.

وتوفى الشيخ الإمام العالم «٣» العلامة علاء الدين على بن موسى بن إبراهيم الرومى الحنفى فى قدمته الثانية إلى مصر، فى يوم الأحد العشرين من شهر رمضان بالقاهرة، وكان ولى مشيخة المدرسة الأشرفية المستجدة بخط العنبريّين بالقاهرة، ثم تركها وسافر إلى الروم، ثم قدم بعد سنين إلى مصر ثانيا وأقام بها إلى أن مات.

وكان بارعا فى علوم كثيرة محققا بحاثا إماما فى المعقول والمنقول، تخرّج بالشيخين: الشريف الجرجانى والسعد التفتازانى، إلى أن برع وتصدى للإقراء والتدريس مدة طويلة، ووقع له أمور طويلة مع فقهاء الديار المصرية، وتعصبوا عليه، وهو ينتصب عليهم وأبادهم، لأنه كان عارفا بعلم الجدل، كان يلزم أخصامه بأجوبة مسكتة، ولهذا حطّ عليه بعض علماء عصرنا بأن قال: كان يفحش فى اللفظ، ولم ينسبه إلى جهل بل ذكر عنه [العلم] «٤» الوافر، والفضل ما شهدت