ووقائع الحروب، لم تمر بهم التجارب ولا مارسوا الوقائع. وأعظم من هذا أنهم لم يقرّبوا أحدا من الأكابر وأرباب المعرفة، فضلّوا وأضلوا وذهبوا وأذهبوا وأضعفوا بسوء تدبيرهم قواهم، وتركوا الملك باختلاف آرائهم «١» لمن عداهم، على ما سيأتى بيان ذلك كله فى محله.
هذا، وكل من الطائفتين يدّعى طاعة الملك العزيز غير أن الخصم «٢» هو إينال، وقد التجأ إلى الأمير الكبير جقمق نظام الملك فقبله الأمير الكبير بمن معه، وقام فى الظاهر بنصرة إينال أتم قيام وفى الحقيقة إنما هو قام بنصرة نفسه، وقد ظهر ذلك لكل أحد حتى لإينال غير أنه صار يستبعد ذلك لعظم خديعة جقمق له، وأيضا لأنه أحوجه الدهر أن يكون من حزبه، كما قيل:
وما من حبّه أحنو عليه ... ولكن بغض قوم آخرين
[٨٢] ولما وقع ذلك استفحل أمر الأتابك، وتكاثف جمعه، ومعظم من قام فى هذه القضية معه المماليك المؤيّدية، وقد أظهروا ما كان فى ضمائرهم من الأحقاد القديمة فى الدولة الأشرفية، وأخذوا فى الكلام مع الأتابك وتقوية جنابه على الوثوب بالمماليك الأشرفية الذين بقلعة الجبل، وهو يتثاقل عن ذلك حتى يتحقق من أمرهم ما يثق به، وصار يعتذر لهم بأعذار كثيرة: منها قلة المال والسلاح، وأن الذين «٣» بقلعة الجبل أقوياء بالقلعة والمال والسلطان والسلاح. فقالوا: هو ما قلت، غير أن هؤلاء جهلة لا يدرون الوقائع ولا مقاومة الحروب ولا أمر العواقب، ونحن أعرف بذلك منهم، وجمعنا يقاتل معك من غير أن تبذل لهم الأموال.
ولا زالوا به حتى أذعن لهم، بعد أن بلغه عن بعضهم أنه يقول عنه: «الأمير