وسكن الأمير الكبير بالسلسلة وتصرف فى أمور المملكة من غير مشارك، واستبد بتدبير أحوال السلطنة من ولاية الوظائف والإنعام بالإقطاعات والإمريات على من يريد ويختار، فصار الملك العزيز ليس له من السلطنة إلا مجرد الاسم فقط. فعظم ذلك على المماليك الأشرفية، وأنكروا سكنى الأمير الكبير بباب السلسلة، واتفقوا ووقفوا فى جمع كبير بالرّميلة وأكثروا من الكلام فى ذلك، ثم انفضّوا من غير طائل وفى أملهم أن الأمراء إذا قدموا من سفرهم أنكروا على الأمير الكبير ما فعله وقاموا بنصرة [الملك]«١» العزيز، وانتظروا ذلك.
وأخذ الأتابك جقمق فى تحصين باب السلسلة والقلعة وأشحنهما بالسلاح والرجال، وصارت الأعيان من كل طائفة تبيت عنده بباب السلسلة فى كل ليلة، والأمراء والأعيان تتردد «٢» إلى خدمته وتركت الخدمة السلطانية، واحتجّ الأمير الكبير بتركها أنه بلغه أن المماليك الأشرفية اتفقوا على قتله إذا طلع إلى الخدمة السلطانية، وجعل ذلك عذرا له عن عدم حضور الخدمة، وصار هو المخدوم والمشار إليه، وتردد مباشرو الدولة إلى بابه وسائر الناس، وتلاشى أمر السلطان [الملك]«٣» العزيز إلى الغاية.
ولهج الناس بسلطنة الأتابك جقمق، وشاع ذلك بين الناس، وصار الأتابك كلما بلغه ذلك أنكره وأسكت القائل بذلك [ولسان حاله ينشد]«٤» : [الكامل]
[٨٥]
لا تنطقنّ بحادث فلربما ... نطق اللسان بحادث فيكون
هذا والأتابك جقمق متخوف فى الباطن من الأمراء المجردين، لكونهم جمعا كبيرا «٥» وفيهم جماعة من حواشى [الملك]«٦» الأشرف ومماليكه، مثل أركماس