وأحضر إليهم التشاريف السلطانية فى الحال فلبسوها، وقبّلوا الأرض ثانيا كالمرة الأولى، وعادوا راجعين فى خدمة [الأمير الكبير]«١» حتى طلعوا معه إلى الحرّاقة، ثم سلموا عليه وعادوا وركبوا خيولهم وتوجهوا إلى دورهم.
وكنت لما لاقيت الأمير أقبغا التّمرازى أمير مجلس سألنى عن أحوال الأتابك جقمق، فقلت له كلاما متحصله أنه ليس بينه وبين السلطنة إلا أن تضرب له السكة ويخطب باسمه، فاستبعد ذلك لقوة بأس المماليك الأشرفية وعظم شوكتهم، فلما نزل من القلعة وعليه الخلعة قلت له قبل أن يصل إلى داره: كيف رأيت جقمق؟ قال: سلطان على رغم الأنف. ومعنى قوله:«على رغم الأنف» لأنه كان بينهما حضوض أنفس قديمة.
ثم أصبحوا يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول حضروا الجميع إلى عند الأتابك جقمق بباب السلسلة، وجلس الأتابك فى الصدر وكل «٢» من الأمراء على يمينه وشماله، إلا قرقماس أمير سلاح فإنه زاحم الأتابك جقمق فى مجلسه وجلس معه على فراشه، والأمير جقمق يجذبه إلى عنده ويخدعه بأنه لا يفعل شيئا إلا بمشورته، وأنه قوّى أمره بقدومه وأنه شيخ كبير عاجز عن الحركة واقتحام الأهوال، إلا إن كان بقوة قرقماس المذكور، كل ذلك وهما جلوس على المرتبة، فانخدع قرقماس وطابت نفسه بما سمعه من الأتابك جقمق، أنه ربما [إن]«٣» تحرك بعد ذلك بحركة تمت له لضعف جقمق عن مقاومته.
هذا وقد برز الطلب لجماعة من الأشرفية وغيرهم، وجميع من هو بالقلعة من الأعيان، فلما حضروا أشار قرقماس لجماعة من الرءوس نوب، وأمراء جندار ممن حضر المجلس أن اقبضوا على هؤلاء.
وأول ما بدأ برفيقه الأمير جانم الأشرفى الأمير آخور الكبير «٤» ، ثم أشار