بما فعله قرقماس بين يديه من القبض على الأمراء المذكورين، وفهم الناس أنه فعل ذلك خدمة للأمير الكبير، وكان غرض قرقماس غير ذلك، فإنه رام نفع نفسه فنفع غيره، فكان حاله [كقول من قال]«١» :
مع الخواطئ سهم [صائب]«٢» ... ربّ رمية من غير رام
ونزل الأمراء إلى دورهم وقد استخف الناس عقل قرقماس وخفّته وطيشه فى سرعة ما فعله، كل ذلك لاقتحامه على [حب]«٣» الرئاسة. ونزل قرقماس إلى داره، وفى زعمه أن جميع من هو بخدمة الأمير الكبير ينقلبون «٤» عن الأمير الكبير إليه، ويترددون «٥» إلى بابه لأنه هو كان الحاكم فى هذا اليوم، ولم يدر أن القلوب نفرت منه لتحققهم ما يظنوه من كبره وجبروته وبطشه، وقد اعتادوا باين الأمير الكبير وبأخذه لخواطرهم فى هذه المدة وتمسكه عن قبض من كان لهم غرض فى قبضه، وقد صاروا له كالمماليك والخدم لطول تردادهم إليه فى باب السلسلة وغيرها، وقد انتهى أمره وحصل لهم ما كان فى أملهم. وأيضا أنهم لما رأرا قرقماس فعل ما فعل لم يشكّوا فى أمره أنه من جملة من يقوم بنصرة الأتابك وأنه كواحد منهم، فلم يطرق أحد منهم بابه ولم يدخل إليه فى ذلك اليوم إلا من يلوذ به من حواشيه ومماليكه.
وسافر تمرباى نائب الإسكندرية من الغد فى يوم الجمعة، وأصبح فى يوم السبت ثامن [شهر]«٦» ربيع الأول أنزل من باب السلسلة من تقدم ذكره من الأمراء الخاصكيّة الممسوكين على البغال بالقيود إلى سجن الإسكندرية، وقد اجتمع لرؤيتهم خلائق لا تحصى وهم قسمان: قسم باك عليهم، وقسم شامت لتقاعدهم عن