وحضرها الأمير الكبير جقمق والأمير قرقماس أمير سلاح المذكور، وعامة الأمراء وأرباب الدولة على العادة.
وكانت الخدمة السلطانية قد تركت من مدة أيام، فأجراهم السلطان الملك العزيز على عادته من السّكات وعدم الكلام، وانفض الموكب.
ثم طلع الأمير قرقماس من الغد فى يوم الجمعة وحضر الصلاة مع السلطان بالمقصورة من جامع القلعة، ولم يطلع الأتابك جقمق. ونزل قرقماس ولم يتكلم مع السلطان كلمة واحدة.
ثم فى يوم السبت عملت الخدمة أيضا بالقصر على العادة، وحضر الأمير الكبير.
ثم فى يوم الاثنين عملت الخدمة أيضا.
كلّ ذلك بتدبير قرقماس، وهو أنه لما علم أن الأمير الكبير جقمق تم أمره ولم يبق له منازع يعيقه عن السلطنة، أخذ فى عمل الخدمة حتى يجد نفسا من الملك العزيز أو من أحد من حواشيه، حتى تصير له مندوحة لمطاولة الأتابك على «١» السلطنة، لأنه ندم على ما تفوّه به ولم يجد لنفسه قوة حتى يرجع عن قوله، لقوة شوكة الأتابك وكثرة أعوانه ممن اجتمع عليه من الطوائف، لا سيما الطائفة المؤيّدية فإنهم صاروا عصبا له وغيريّة على قرقماس، لما كان بين قرقماس وبين الأمير دولات المحمودى المؤيدى من العداوة قديما، لسبب السّكات عنه أليق، ودولات هو يومذاك عين المؤيدية ورئيسهم، غير أن جميع طائفة الناصرية كانت مع قرقماس فى الباطن لكونه خجداشهم، ولكن هم أيضا ممن كان انضم على الأتابك وصار لهم به إلمام كبير، فلم يظهروا الميل لقرقماس فى الظاهر مخافة أن لا يتم أمره وينحط قدرهم عند الأتابك؛ فصاروا يلاحظونه