قال عبد الرزاق بن همام: كنت مع الفضيل بن عياض بمكة فمر هارون الرشيد، فقال الفضيل: الناس يكرهون هذا وما في الأرض أعز علي منه، لو مات لرأيت أموراً عظاماً. وقال الجاحظ: اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره: وزراؤه البرامكة، وقاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه العباس بن محمد عم أبيه، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأعظمهم، ومغنيه إبراهيم الموصلىّ، وزوجته زبيدة بنت عمه جعفر اهـ. وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين ونصفاً، وتولى الخلافة من بعده ابنه محمد الأمين بن زبيدة. ومات الرشيد وله خمس وأربعون سنة. وفيها نوفّى صالح [بن عمرو «١» ] بن محمد بن حبيب بن حسان، الحافظ أبو علي البغدادي مولى أسد بن خزيمة المعروف بجزرة (بجيم وزاي معجمة وراء مهملة) ، لقب بجزرة لأنه قرأ على بعض مشايخ الشأم:«كان لأبي أمامة جزرة يرقي بها المرضى» ، فصحف خرزة جزرة فسمي بذلك «٢» ؛ وكان إماماً عالماً حافظاً ثقة صدوقاً. وفيها توفي غندر «٣» واسمه محمد أبو عبد الله البصري الحافظ، سمع الكثير وروى عنه خلائق، وكان فيه سلامة باطن. قال ابن معين: اشترى غندر سمكاً وقال لأهله: أصلحوه، فأصلحوه وهو نائم وأكلوا ولطخوا يده وفمه؛ فلما انتبه قال: قدموا السمك، فقالوا: قد أكلت، فقال: لا، قالوا: فشم يدك، ففعل فقال: صدقتم، ولكني ما شبعت.