ولي الخلافة كني بأبي جعفر على كنية جد أبيه. وفيها في رمضان ثار أهل قرطبة بالأمير الحكم بن هشام الأموي وحاربوه لجوره وفسقه وأحاطوا بالقصر، وأشتد القتال وعظم الخطب واستظهروا عليه؛ فأمر الحكم أمراءه فحملوا عليهم وقاتلوهم حتى هزموهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة وصلب من وجوه القوم ثلثمائة على النهر منكسين؛ وبقي القتل والنهب والتحريق في قرطبة ثلاثة أيام، ثم أمنهم فهج «١» أهل قرطبة إلى البلاد. وفيها توفي سفيان بن عيينة بن أبي عمران، وأسم أبي عمران ميمون مولى محمد «٢» بن مزاحم الهلالي أخى الضحاك المفسّر، كنيته- أعني سفيان- أبو محمد الكوفي ثم المكي، الإمام شيخ الإسلام، مولده سنة سبع ومائة في نصف شعبان، كان إماماً ثقة حجة عالماً صالحاً.
قال الحسين بن عمران بن عيينة: حججت مع عمي سفيان آخر حجة حجها سنة سبع وتسعين ومائة. فلما كنا بجمع- يعني المزدلفة- استلقى على فراشه ثم قال: قد وافيت هذا الموضع سبعين عاماً أقول في كل سنة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذلك، فرجع فتوفي في العام في شهر رجب. وكان سفيان يقول: لا يمنع أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله قد استجاب دعاء شر الخلق وهو إبليس قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ
. وكان أيضاً يقول: يستحب للرجل أن يقول في دعائه: اللهم استرني بسترك الجميل، ومعنى الستر الجميل أن يستر على عباده في الدنيا والأخرة.