للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ولاه نيابة حلب بعد عزل قرقماس الشعبانى [١٧٣] عنها «١» فدام بحلب إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فبايعه ولبس خلعته، ثم عصى بعد ذلك- وليت الخمول عصى أولا قبل مبايعته، فكان يصير له عذر فى الجملة! - ثم وقع له بعد عصيانه ما حكيناه فى ترجمة الملك الظاهر جقمق، إلى أن انكسر وأمسك، ثم ضربت رقبته تحت قلعة حلب، وسنّه نحو الخمسين.

وكان تغرى برمش رجلا طوالا مليح الشكل عاقلا مدبرا كثير الدهاء والمكر، وكان يجيد رمى النشاب ولعب الكرة، وكان عارفا بأمور دنياه وأمر معيشته، متجملا فى مركبه وملبسه ومماليكه، إلا أنه كان بخيلا شحيحا حريصا على جمع المال، قليل الدين لا يحفظ مسألة تامة فى دينه، مع قلة فهم وذوق، وغلاظة طبع، على قاعدة أوباش التركمان «٢» ، وكان عاريا من سائر العلوم والفنون، غير ما ذكرنا، لم أره منذ «٣» عمرى مسك كتابا بيده ليقرأه، هذا مع الجبن وعدم الثبات فى الحروب، وقلة الرأى فى تنفيذ العساكر؛ وما وقع له مع ناصر الدين بك بن دلغادر فى نيابته على حلب من الحروب والانتصار عليه، كل ذلك كان بكثرة الشوكة وسعد الملك الأشرف برسباى.

وأما لما صار الأمر له، لم يفلح فى واقعة من الوقائع، بل صار كلما دبّر أمرا انعكس عليه، فإنه كان ظنّينا برأى نفسه، وليس له اطلاع فى أحوال السلف بالكلية، ولم يستشر «٤» أحدا فى أمره، فحينئذ خمل وأخمل وتمزقت جميع عساكره وخانه حتى مماليكه مشترواته، ومع هذا كله، هو عند القوم فى رتبة عليا من العقل والمعرفة والتدبير؛ وعذرهم أنه لو لم يكن كذلك [ما] «٥» صار أميرا- انتهى.