محمد بن محمد بن على بن أحمد [بن حجر]«١» ، المصرى المولد والمنشأ والدار والوفاة، العسقلانى الأصل، الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية وعالمها وحافظها وشاعرها، فى ليلة السبت ثامن عشرين ذى الحجة، وصلى عليه بمصلاة المؤمنى، وحضر السلطان الصلاة عليه، ودفن بالقرافة. حتى قال بعض الأذكياء: أنه حزر من مشى فى جنازته نحو الخمسين ألف إنسان. وكان لموته يوم عظيم «٢» على المسلمين، ومات ولم يخلّف بعد مثله شرقا ولا غربا، ولا نظر هو مثل نفسه فى علم الحديث.
وكان مولده بمصر القديمة فى ثانى عشرين شعبان، سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وقد أوضحنا أمره فى ترجمته فى «المنهل الصافى» من ذكر سماعاته ومشايخه وأسماء مصنفاته «٣» وولاياته من ابتداء أمره إلى منتهاه، فى أوراق كثيرة يطول الشرح فى ذكرها فى هذا المحل «٤» . وكان رحمه الله تعالى إماما عالما حافظا شاعرا أديبا مصنفا مليح الشكل منوّر الشيبة، حلو المحاضرة إلى الغاية والنهاية، عذب المذاكرة مع وقار وأبهة وعقل وسكون وحلم وسياسة ودربة بالأحكام، ومداراة الناس، قلّ أن كان يخاطب الرجل بما يكره، بل كان يحسن إلى من يسىء إليه، ويتجاوز عمن قدر عليه، هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة والبر والصدقات؛ وبالجملة فإنه أحد من أدركنا من الأفراد ولم يكن فيه ما يعاب، إلا تقريبه لولده لجهل كان فى ولده، وسوء سيرته، وما عساه كان يفعل معه، وهو ولده لصلبه، ولم يكن له غيره؟
وأما شعره فكان فى غاية الحسن، ومما أنشدنى من لفظه لنفسه رحمه الله تعالى «٥» :
[الطويل]
خليلىّ ولّى العمر منّا ولم نتب ... وننوى فعال الصالحات ولكنّا