وحبسه، إلى أن أطلقه المهدي لما تخلف ورد عليه جميع ما كان أخذه أبوه المنصور منه، وقد ذكرنا ذلك في محله. وتحولت السيدة نفيسة مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق من المدينة إلى مصر، فأقامت بها إلى أن ماتت في شهر رمضان من هذه السنة من غير خلف في وفاتها. وهي صاحبة الكرامات والبرهان، وقد شاع ذكرها شرقاً وغرباً. وفيها توفي العتابي واسمه كلثوم بن عمرو بن أيوب الشاعر المشهور أحد البلغاء، كان أصله من قنسرين، وقدم بغداد، ومدح الرشيد ثم أولاده الخلفاء من بعده؛ وكان منقطعاً إلى البرامكة، وكان يتزهد ويلبس الصوف. ومن شعره فيما قيل موالياً:
يا ساقيا خصّنى بما تهواه ... لا تمزج اقداحي رعاك الله
دعها صرفاً فإنني أمزجها ... إذ أشربها بذكر من أهواه
قلت: وهذا يشبه قول القائل، ولم أدر لمن هو:
نديمى «١» لا تسقنى ... سوى الصرف فهو ألهني
ودع كأسها أطلساً «٢» ... ولا تسقنى مع دني
وفيها توفي مسلم بن الوليد الأنصاري مولى أسعد بن زرارة الخزرجي الشاعر المشهور، كان فصيحاً بليغاً. ومن شعره فيما قيل وقد رأيته لغيره وهو في مليح أعمى مضمّنا:
بروحي مكفوف اللواحظ لم يدع ... سبيلاً إلى صب يفوز بخيره
سوالفه تفني الورى خل لحظه ... ومن لم يمت بالسيف مات بغيره