إينال أتابك العساكر عوضا عن أبيه، فعزله وجعله من جملة أمراء الألوف واستقر تنبك هذا عوضه؛ فدام في الأتابكية مدة طويلة إلى أن مات في التاريخ المذكور، وتولّى المقام الشهابى أحمد عنه الأتابكية ثانيا.
وكان أمر تنبك هذا في ولايته الأتابكية غريبة، وهو أن الذي أخذ عنه ولّى عنه، ولعل هذا لم يقع لأحد أبدا، وكان تنبك المذكور رجلا ديّنا خيرا، هيّنا ليّنا، سليم الفطرة، شحيحا «١» ، لا يتجمل في بركه ولا حواشيه- رحمه الله تعالى.
وتوفّى عظيم الدّولة الصاحب جمال الدين أبو المحاسن يوسف- مدبر المملكة، وصاحب وظيفتى نظر الجيش والخاص معا- ابن الرئيس كريم الدين عبد الكريم ناظر الخاص ابن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم، فى ليلة الخميس- وقت التسبيح- الثامن عشر من ذى الحجة، ودفن من الغد بالصحراء في تربته التي أنشأها، وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية، وحضر المقام الشهابى أحمد أتابك العساكر الصلاة عليه بمصلاة باب النصر، وحضر دفنه أيضا، ومات وسنه زيادة على أربعين سنة؛ لأن مولده في سنة تسع عشرة وثمانمائة، هكذا كتب لى بخطه- رحمه الله.
ومات ولم يخلف بعده مثله رئاسة وسؤددا بلا مدافعة، وهو آخر من أدركنا من رؤساء الديار المصرية؛ لأنه كان فردا في معناه، لعظم ما ناله من السعادة والوجاهة ووفور الحرمة، ونفوذ الكلمة والعظمة الزائدة، وكثرة ترداد الناس إليه، وأعيان الدولة وأكابرها إلى بابه، بل الوقوف في خدمته، وهذا شىء لم ينله غيره في الدولة التركية، مع علمى بمنزلة كريم الدين الكبير عند الناصر محمد بن قلاوون، وبما ناله سعد الدين إبراهيم بن غراب في الدولة الناصرية فرج، ثم بعظمة جمال الدين يوسف البيرى الأستادار في دولة الناصر فرج أيضا، ثم بخصوصية عبد الباسط بن خليل الدمشقى في دولة الأشرف برسباى، ومع هذا كله ليس فيهم أحد وصل إلى ما وصل إليه جمال