إينال قوى أمر قانى باى هذا بحلب، وفشا أمره عند كل أحد، فلم يكشف الأشرف إينال ستر التغافل بينه وبين قانى باى المذكور، بل صار كل منهما يتجاهل على الآخر، فذاك يظهر الطاعة وامتثال المراسيم من غير أن يطأ بساط السلطان، أو يحضر إلى القاهرة، وهذا يرضى منه بذلك، ويقول: هذا داخل في طاعتى، ولا يرسل خلفه أبدا، بل يغالطه، حتى لو أراد قانى باى الحضور إلى القاهرة مامكنه إينال؛ لمعرفته منه أن ذلك امتحان، وصار كل منهما يترقب موت الآخر إلى أن مات قانى باى قبل، وولّى الأشرف إينال عوضه في نيابة دمشق الأمير جانم الأشرفى.
ومن الغرائب التي وقعت له أيضا أن قانى باى هذا لم يل ولاية بلد مثل حماة وطرابلس حلب والشام إلا بعد الأمير جلبّان، مع طول مدّة جلبّان في نياباته الشّاميّة أزيد من ثلاثين سنة، فهذا من النوادر الغريبة، كون أن قانى باى يعزل عن نيابة حلب ويصير أميرا بمصر مدّة سنين وبلى حلب بعده غير واحد، ثم يعود إلى نيابة حلب، ويقيم بها إلى أن ينتقل منها إلى نيابة الشام «١» بعد موت جلبّان، كما انتقل قبل ذلك بعده في كل بلد، فهذا هو الاتفاق العجيب.
وتوفّى الأمير شرف الدين عيسى بن عمر الهوارى أمير عرب هوارة ببلاد الصعيد فى ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر، بعد عوده من الحج، وولى بعده ابنه، ثم عزل بعد أمور، وكان عيسى هذا مليح الشكل، ديّنا خيرا بالنسبة إلى أبناء جنسه، وله مشاركة بحسب الحال، ويتفقه على مذهب الإمام مالك- رضى الله عنه.
وتوفّى الشيخ الإمام الفقيه العالم أبو عبد الله محمد بن سليمان بن داود الجزولى «٢» المغربى المالكى نزيل مكة، بها في يوم الأحد ثامن عشر شهر ربيع الآخر، وحضرت الصلاة عليه بحرم مكة، ودفن بالمعلاة، وكان مولده في سنة سبع وثمانمائة بجزولة من بلاد