وفي يوم الثلاثاء حادى عشرينه الثانية من النهار حمل الملك المؤيّد أحمد وأخوه محمد من قلعة الجبل إلى جهة الإسكندرية ليحبسا بها.
قلت: وقبل أن نشرع في ذكر الحوادث نبدأ بالتّعريف بأصل الملك الظاهر خشقدم هذا وسبب ترقّيه إلى السلطنة فنقول:
أصله رومىّ الجنس، جلبه خواجا ناصر الدين إلى الديار المصرية في حدود سنة خمس عشرة وثمانمائة، أو في أوائل سنة ست عشرة، هكذا أملى علىّ من لفظه بعد سلطنته، وسنّه يوم ذلك دون البلوغ، فاشتراه الملك المؤيّد شيخ، وجعله كتابيا سنين كثيرة، ثم أعتقه وجعله من جملة المماليك السلطانية، إلى أن مات الملك المؤيّد فصار خشقدم هذا خاصكيا في دولة ولده الملك المظفر أحمد بن شيخ، بسفارة أغاته الأمير تغرى بردى قريب قصروه، ودام خاصكيا مدة طويلة إلى أن صار ساقيا في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، ثم أمّره الملك الظاهر إمرة عشرة، وجعله من جملة رءوس النوب فى حدود سنة ست وأربعين، فدام على ذلك إلى سنة خمسين، فأنعم عليه الملك الظاهر أيضا بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، واستمرّ بدمشق إلى أن تغيّر خاطر الملك الظاهر جقمق على الأمير تنبك البردبكى حاجب الحجاب بسبب عبد قاسم الكاشف الذي نعتوه «١» الناس بالصلاح، ونفاه إلى ثغر دمياط بطّالا، فرسم السلطان الملك الظاهر جقمق بطلب خشقدم هذا من مدينة دمشق، ليكون عوضا عن تنبك المذكور فى حجوبية الحجاب، وعلى إقطاعه أيضا دفعة واحدة، وذلك في صفر سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وكان مجىء خشقدم هذا إلى الديار المصرية بسفارة الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى، وقيل على البذل على يد أبى الخير النحاس، وأنعم السلطان بتقدمة خشقدم هذا التي بدمشق على الأمير علّان جلّق المؤيدى، فاستمرّ خشقدم المذكور على الحجوبية إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فخلع عليه بإمرة سلاح عوضا عن الأمير تنبك البردبكى الذي كان أخذ عنه الحجوبية بعد أن وقع لتنبك المذكور دورات