من طلب المماليك أمورا عظيمة وأهوالا، ولما قلّ ما عنده من الضياع بالديار المصرية مدّ يده إلى ضياع البلاد الشّامية، ففرّق منها على أمراء مصر وأجنادهم ما شاء الله أن يفرّق.
فلما كان يوم السبت ثالث شوال شرع السلطان في تفرقة نفقة المماليك السلطانية، ففرقت في كل يوم طبقة واحدة- لقلة متحصل الخزانة الشريفة- لكل واحد مائة دينار، ولمن يستخفّون به خمسون دينارا، وبالجملة إنها فرّقت أقبح تفرقة، لعجز ظاهر، وقلة موجود، ومصادرات الناس.
ولما كان يوم الاثنين خامس شوال أنعم السلطان بالخلع على جميع أمراء الألوف، وأنعم على كل واحد بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش، ورسم لهم بالنّزول إلى دورهم، وكان لهم من يوم قدم جانم نائب الشام إلى خانقاه سرياقوس مقيمين بجامع القلعة، وكذلك القضاة، فنزل الجميع إلا الخليفة فإنه دام بقلعة الجبل إلى يوم تاريخه، وأظن ذلك صار عادة ممّن يلى الملك بعده.
وفي هذه الأيام استقرّ خيربك القصروى نائب قلعة الجبل في نيابة غزّة بعد عزل بردبك السيفى سودون من عبد الرحمن، ورسم السلطان أن يفرج عن الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى، وعن الملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق من محبسهما ببرج الإسكندرية، ورسم لهما أن يسكنا بأى مكان اختارا بالثغر المذكور، ورسم أيضا بكسر قيد الملك المؤيّد أحمد ابن الأشرف إينال.
وفي يوم الأربعاء سابعه ماجت مماليك الأمراء، ووقفوا في جمع كبير بالرّميلة، يطلبون نفقات أستاذيهم، لينفق أستاذ كل واحد منهم في مماليكه، وكان السلطان أخّر نفقات الأمراء إلى أن تنتهى نفقة المماليك السلطانية، وكانت العادة تفرقة النفقة على الأمراء قبل المماليك، فلما بلغ السلطان ذلك شرع في إرسال النفقة إلى الأمراء، وقد ذكرنا قدر ما أرسل لكل واحد منهم في تاريخنا «الحوادث» .
ثم في يوم الخميس ثامن شوال استقر الأمير قانم المؤيّدى أمير مجلس عوضا عن قرقماس الأشرفى، بحكم انتقاله إلى إمرة سلاح قبل تاريخه، واستقرّ الأمير بيبرس