العود، يضرب به المثل فيهما. وله فى هروبه واختفائه وكيفية الظّفر به أمور وحكايات مهولة؛ منها أنه لما وقف بين يدى المأمون شاور فى قتله أصحابه، فالكل أشاروا بالقتل غير أنهم اختلفوا فى القتلة؛ فالتفت المأمون الى أحمد بن خالد «١» الوزير وشاوره؛ فقال:
يا أمير المؤمنين، إن قتلته فلك نظير، وإن عفوت عنه فما لك نظير؛ فأنشد المأمون:
فكشف إبراهيم بن المهدى رأسه وقال: الله أكبر، عفا عنى أمير المؤمنين! فقال المأمون: يا غلمان، خلّوا عن عمّى وغيّروا من حالته وجيئونى به. ففعلوا وأحضروه «٣» بين يدى المأمون فى مجلسه، ونادمه وسأله أن يغنّى فأبى، وقال: نذرت لله عند خلاصى تركه؛ فعزم عليه وأمر أن يوضع العود فى حجره، فغنّى.
وقال الذهبىّ: وعن منصور بن المهدىّ قال: كان أخى إبراهيم إذا تنحنح طرب من يسمعه، فإذا غنّى أصغت اليه الوحوش ومدّت أعناقها اليه حتى تضع رءوسيها فى حجره فإذا سكت نفرت وهربت؛ وكان إذا غنّى لم يبق أحد إلا ذهل ويترك ما فى يده حتى يفرغ.
قلت: وحكايات إبراهيم فى الغناء والعود مشهورة يضيق هذا المحل عن ذكرها، وقد ذكره ابن عساكر فى تاريخ دمشق فى سبع عشرة ورقة.
وفيها توفى أبو عبيد القاسم بن سلّام، وكان أبوه عبدا روميا لرجل من أهل هراة «٤» ، وكان القاسم إماما عالما مفنّنا، له المصنفات الكثيرة المفيدة: منها غريب الحديث وغيره. وفيها توفى سليمان بن حرب الحافظ أبو أيوب الأزدىّ البصرىّ،