قيل: إنّ المأمون كان مقطّبا، فدخل عليه أبو دلف؛ فقال له المأمون: يا أبا دلف، أنت الذي قال فيك الشاعر، وذكر البيت المقدّم ذكره؛ فقال أبو دلف: يا أمير المؤمنين، شهادة زور وقول غرور «١» ؛ وأصدق منه قول من قال:
دعينى أجوب الأرض ألتمس الغنى ... فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم «٢»
وقال ثعلب: حدّثنا ابن الأعرابىّ عن الأصمعىّ قال: كنت واقفا بين يدى المأمون إذ دخل عليه أبو دلف؛ فنظر اليه المأمون شزرا، وقال له: أنت الذي يقول فيك علىّ بن جبلة «٣» :
له راحة لو أنّ معشار عشرها ... على البرّ كان البرّ أندى من البحر
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمّته الصّغرى أجلّ من الدهر
فقال: يا أمير المؤمنين، مكذوب علىّ، لا والذي فى السماء بيته ما أعرف من هذا حرفا؛ فقال المأمون: قد قال فيك أيضا:
ما قال لا قطّ من جود أبو دلف ... إلّا التشهد لكن قوله نعم
فقال: ولا أعرف هذا أيضا يا أمير المؤمنين.
قلت: وأخبار أبى دلف كثيرة وشعره سارت به الركبان.
وفيها توفى منصور بن عمّار بن كثير الشيخ أبو السّرىّ الواعظ الخراسانىّ، وقيل:
البصرىّ، رحل الى العراق، وأوتى الحكم والفصاحة، حتى قيل: إنه لم يقض أحد فى زمانه مثله.