*** وأما محاسن مصر فكثيرة: من ذلك ما قاله الشيخ الإمام الفقيه أبو محمد الحسن ابن إبراهيم بن زولاق: إن من محاسن مصر اعتدال هوائها في حرها وبردها؛ وإن مزاج هوائها لا يقطع أحدا عن التصرف كما يقطع حر بغداد أهلها عن التصرف في معايشهم، ويخلو أكثر الطرقات بها نهاراً، وكذلك بردها، وإن برد مصر ربيع وحرها قيظ. وقدم رجل من بغداد إلى مصر فقيل له: ما أقدمك؟ فقال: فررت من كثرة الصياح في كل ليلة: «يا غافلين الصلاة» لاختفائهم من الحر والبرد، فإن حر بغداد وبردها يقطعان أهلها عن التصرف حتى إنهم يكمنون في بطن الأرض من شدة الحر في الصيف، وتطوف الحراس في بعض المواضع نهاراً لاختفاء الناس في بطون الأرض من شدة الحر. انتهى كلام ابن زولاق.
قلت: وأما برد الشمال والروم فلا حاجة لذكره لعظم البرد وكثرة الثلوج والأمطار وغير ذلك.
قال ابن زولاق أيضاً: ومن ذلك الأقوات والميرة التي لا قوام لأحد في بلد إلا بها، فإن مصر تمير أهلها والساكنين بها وبأعمالها، وتمير الحرمين الشريفين والوافدين إليها من الأقطار، وما تجد بلداً إلا وتصل إليها ميرة مصر؛ وبغداد لا تمير أهلها فضلاً عن غيرهم لأن طعامها وأقوات ساكنيها من الموصل وأعماله والفرات وأعماله وديار مضر وربيعة.
وأما بغداد فإنها تميز نفسها أربعة أشهر، وتميرها الموصل أربعة أشهر، وتميرها واسط أربعة أشهر؛ وكذلك البصرة أيضاً لا تمير نفسها، وإنما تميرها واسط والأهواز؛ ولما حل الغلاء ببغداد نزح عنها أهلها وأثر فيها إلى اليوم، وكان بمصر