وسبب نزول خراج مصر أن الملوك لم تسمح نفوسهم بما كان ينفق في حفر ترعها وإتقان جسورها، وإزالة ما هو شاغل للأرض عن الزراعة كالقصب والحلفاء والقضاب وغير ذلك.
وحكى عبد الله بن لهيعة: أن المرتبين لذلك كانوا مائة ألف وعشرين ألف رجل: سبعون ألفاً بصعيد مصر، وخمسون ألفاً بالوجه البحري.
وحكى ابن زولاق: أن أحمد بن المدبر لما ولي خراج مصر كشف أرضها فوجد غامرها أكثر من عامرها، فقال: والله لو عمرها السلطان لوفت له بخراج الدنيا.
وقيل: إنها مسحت في أيام هشام بن عبد الملك فكان ما يركبه الماء الغامر والعامر مائة ألف ألف فدان، والفدان أربعمائة قصبة، والقصبة عشرة أذرع.
وقيل: إن أحمد بن المدبر المذكور اعتبر ما يصلح للزراعة بمصر فوجده أربعة وعشرين ألف ألف فدان، والباقي مستبحر وتلف من قلة الزراعة، واعتبر أيضا مدة الحرث فوجدها ستين يوماً؛ والحراث يحرث خمسين «١» فدانا، فكانت محتاجة إلى أربعمائة ألف وثمانين ألف حرّاث، اهـ.
قلت: هذا خلاف ما رئي من الجزائر في الإسلام مثل جزيرة بني نصر وجزيرة الذهب وغيرهما قبلي وبحري؛ وأيضا خلاف إقليم البحيرة، والبحيرة كان أصلها كرماً لامرأة المقوقس، وكانت تأخذ خراجها الخمر بفريضة عليهم، فكثر الخمر عليها فقالت: لا حاجة لي بالخمر، أعطوني دنانير، فلم تجدها معهم، فأرسلت على الكرم الماء فغرقتها، فصارت بحيرة يصاد بها السمك حتى استخرجها بنو العباس،