قال: وكان بمصر سبع خلجانات: فمنها خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج سردوس، وخليج المنهى.
وكانت مصر فيما يذكر أهل الخبرة أكثر البلاد جناناً، وذلك أن جنانها كانت متصلة بحافتي النيل من أوّله الى آخره الى حد أسوان إلى رشيد، وكان الماء إذا بلغ في زيادته تسع أذرع دخل خليج المنهى وخليج الفيوم وخليج سردوس وخليج سخا.
وكان الذي ولي حفر خليج سردوس لفرعون عدو الله هامان، فلما ابتدأ في حفره أتاه أهل القرى يسألونه أن يجري الخليج تحت قراهم ويعطون على ذلك ما أراد من المال، فكان يعمل ذلك حتى اجتمعت له أموال عظيمة، فحمل تلك الأموال إلى فرعون، فسأله فرعون عنها، فأخبره الخبر، فقال فرعون: إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبيده ويفيض عليهم معروفه ولا يرغب فيما في أيديهم، ونحن أحق بمن يفعل هذا بعبيده، فاردد على أهل كل قرية ما أخذته منهم، ففعل هامان ذلك. وليس في خلجان مصر أكثر عطوفاً وعراقيل من خليج سردوس. وأما خليج الفيوم وخليج المنهى فإن الذي حفرهما يوسف بن يعقوب صلى الله عليهما وسلم. اهـ.
قلت: والآن نأتي بما وعدنا بذكره من أخبار من ملك مصر قبل الإسلام، على أنه ليس في شرطنا من هذا الكتاب، وإنما نذكره على سبيل الاختصار لتعلم بذلك أحوال مصر قديماً وحديثاً كما ذكرنا؛ هذا كله ليعلم الناظر فيه أمورها على سبيل الاستطراد إلى أن نذكر ما صنف هذا الكتاب بسببه وهم ملوك مصر، وأول من نذكر منهم عمرو بن العاص رضي الله عنه، ثم نسوق التاريخ من حينئذ على منواله دولاً دولاً، لا نخرج منه إلى غيره إلا ما مست الحاجة إلى ذكره استطراداً، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.