مراسيه وأوهمه أنه يريده، فلما دنا منه ناداه محمد بن علىّ الخلنجىّ ليصير إليه ويحمله معه في المركب، فلما رآه محمد بن لمجور وسمع نداءه سبّه وقال له: مت بغيظك قد أمكن الله منك! وتأخّر وضرب بمقاذيفه وانحدر في النيل، وذلك لما كان في نفس محمد بن لمجور من محمد بن علىّ الخلنجىّ ممّا أسمعه قديما من المكروه والكلام الغليظ؛ فلمّا رأى محمد الخلنجىّ خذلان محمد بن لمجور له ولم يتمّ له الهرب كرّ راجعا حتى دخل مدينة مصر وقد انفلّ «١» عنه عساكره فصار الى منزل رجل كان يعنى «٢» بإخفائه ويأمنه على نفسه ليختفى عنده؛ فخافه «٣» المذكور وتركه هاربا وتوجّه إلى السلطان فتنصّح «٤» إليه وأعلمه أنّه عنده؛ فركب السلطان وأكابر الدولة والعساكر حتّى قبضوا عليه، وكان ذلك في صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر رجب من سنة ثلاث وتسعين ومائتين؛ فكانت مدّة عصيانه منذ دخل إلى مصر الى أن قبض عليه سبعة أشهر واثنين وعشرين يوما. ودخل فاتك وبدر الحمامىّ بعساكرهما وعساكر العراق حتى نزلا بشاطئ النيل، ثم وافاهم الأمير عيسى النّوشرىّ من الفيّوم حسبما يأتى ذكره في ترجمته في ولايته الثانية على مصر- أعنى عوده إلى ملكه بعد الظفر بمحمد بن علىّ الخلنجىّ- ونزل عيسى بدار فائق، فإن بدرا كان قد قدم إلى مصر ونزل في داره التى كان النوشرىّ نزل فيها أوّلا، ودعا للخليفة على منابر مصر ثم من بعده لعيسى النوشرىّ. هذا وأمور مصر مضطربة الى غاية ما يكون. وقلّد عيسى شرطة العسكر لمحمد بن طاهر المغربىّ، وشرطة المدينة ليوسف بن إسرائيل، وتقلّد أبو زنبور الخراج على عادته. وأخذ النوشرىّ في إصلاح أمور مصر والضّياع وتتبّع أصحاب محمد الخلنجىّ من الكتّاب والجند وغيرهم، وقبض على جماعة كثيرة منهم، مثل: