فو الله ما أدري أحباً كان لي منه أو استعانةً بي، ولكن سأحدثك برجلين مات وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر؛ فقال الرجل: ذاك قتيلكم يوم صفين، قال: قد والله فعلنا.
وروي أن عمراً لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان على عمان، فأتاه كتاب أبي بكر بذلك. قال ضمرة عن الليث بن سعد: إن عمر رضي الله عنه نظر إلى عمرو ابن العاص يمشي، فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميراً.
قال الذهبي بعد كلام ساقه: ثم إن عمراً قال لمعاوية- يعني في أيام وقعة صفين-: يا معاوية، أحرقت كبدي بقصصك، أترى أنا خالفنا علياً لفضلٍ منا عليه! لا والله، إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها، وأيم الله لتقطعن لي قطعة من دنياك، أو لأنابذنك، قال: فأعطاه مصر، يعطي أهلها عطاءهم وما بقي فله.
ويروى أن علياً كتب إلى عمرو يتألفه، فلما أتاه الكتاب أقرأه معاوية، وقال:
قد ترى، فإما أن ترضيني، وإما أن ألحق به! قال: فما تريد؟ قال: مصر، فجعلها له.
وعن يزيد بن أبي حبيب وغيره؛ أن الأمر لما صار لمعاوية استكثر طعمة مصر لعمرو، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وعنائه، وظن أن معاوية سيزيده الشأم مع مصر فلم يفعل معاوية، فتنكر له عمرو فاختلفا وتغالظا، فدخل بينهما معاوية بن حديج فأصلح بينهما، وكتب بينهما كتاباً: إن لعمرو ولاية مصر سبع سنين وأشهد عليهما شهوداً، ثم مضى عمرو إليها سنة تسع وثلاثين (أعني في ولايته الثانية) ، فما مكث نحو ثلاث سنين حتى مات.