وأمّا عسكر المغاربة فإنّ مقدّمة القائم ابن المهدىّ عبيد الله الفاطمىّ دخلت الإسكندريّة في صفر هذه السنة، فاضطرب أهل مصر ولحق كثير منهم بالقلزم والحجاز لا سيما لمّا مات ذكا؛ فلما قدم تكين هذا تراجع الناس. ثم إنّ تكين بلغه أنّ القائم محمدا قد اعتلّ بالإسكندريّة علّة صعبة وكثر المرض في جنده فمات داود بن حباسة ووجوه من القوّاد؛ ثم تحاملوا ومشوا إلى جهة مصر، فاستمرّ تكين بمنزلته من الجيزة إلى أن أقبلت عساكر المهدىّ، فاستقبله المذكور فتقاتلا قتالا شديدا انتصر فيه تكين وظفر بالمراكب في شوّال من السنة؛ وتوجّهت عساكر المهدىّ إلى نحو الصعيد، وعاد تكين إلى مصر مؤيّدا منصورا، ودام بها إلى أن حضر إليها مؤنس الخادم فى نحو ثلاثة آلاف من عساكر العراق في المحرّم سنة ثمان وثلثمائة، وخرج تكين إلى الجيزة ثانيا وبعث ابن كيغلغ إلى الأشمونين «١» لقتال عساكر المهدىّ (أعنى المغاربة) فتوجّه إليه ابن كيغلغ المذكور فمات بالبهنسا في أوّل ذى القعدة. ثم بلغ تكين أنّ ابن المدينىّ القاضى وجماعة بمصر يدعون إلى المهدىّ، فأخذهم وضرب أعناقهم وحبس أصحابه. وملك أصحاب المهدىّ الفيّوم وجزيرة الأشمونين وعدّة بلاد، وضعف أمر تكين عنهم؛ فقدم عليه نجدة ثانية من العراق عليها جنّىّ الخادم «٢» فى ذى الحجّة من السنة؛ خرج جنىّ أيضا بمن معه إلى الجزيرة؛ وتوجّه الجميع لقتال عساكر المهدىّ، فكانت بينهم حروب وخطوب بالفيوم والإسكندريّة، وطال ذلك بينهم أياما كثيرة إلى أن رجع أبو القاسم القائم محمد بن المهدىّ عبيد الله بعساكره إلى برقة.
وأقام تكين بعد ذلك مدّة، وصرفه مؤنس الخادم عن إمرة مصر في يوم الأحد