الفقير اثنى عشر درهمًا، وقال: لا يُعْوِزُ رجلًا منهم درهمٌ في شهر، فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر، رحمه الله، مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف وافٍ، والواف درهم ودانقان ونصف، وهو أوّل من مصّر الأمصار: الكوفة والبصرة والجزيرة والشأم ومصر والموصل، وأنزلها العرب، وخطّ الكوفة والبصرة خِططًا للقبائل، وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار، وهو أوّل من دوّن الديوان وكتب النّاس على قبائلهم وفرض لهم الأعْطِيَةَ من الفئ وقَسَمَ القسوم في النّاس، وفرض لأهل بدر وفَضّلَهم على غيرهم، وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقَدُّمهم في الإسلام، وهو أوّل من حمل الطعام في السّفُن من مصر في البحرِ حتَّى ورد البحر ثم حمل من الجار إلى المدينة.
وكان عمر، رضي الله عنه، إذا بعث عاملًا له على مدينة كتب ماله، وقد قاسم غير واحدٍ منهم ماله إذا عزله، منهم سعد بن أبي وقّاص وأبو هُريرة، وكان يستعمل رجلًا من أصحاب رسول الله، عليه السلام، مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة، ويَدَعُ مَن هو أفْضل منهم مثل عثمان وعليّ وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف ونظرائهم لقوّة أولئك على العمل والبَصَر به، ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له، وقيل له: مالك لا تُوَلّى الأكابر من أصحاب رسول الله، عليه السلام؟ فقال: أكره أن أدنّسهم بالعمل (*).
واتخذ عمر دار الرقيق، وقال بعضهم الدقيق، فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر (١) والزبيب وما يُحتاج إليه يُعين به المُنقطع به والضيف ينزل بعمر، ووضع عمر في طريق السّبُلِ ما بين مكة والمدينة ما يُصْلح مَنْ ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء، وهَدَمَ عمرُ مسجد رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وزاد فيه وأدخل دار العبّاس بن عبد المطّلب فيما زاد، ووسّعه وبناه لمّا كَثُرَ النّاسُ بالمدينة، وهو أخرج اليهود من الحجاز وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشأم، وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة، وكان عمر خرج إلى الجابية في صفر سنة ستّ عشرة فأقام بها عشرين ليلة يقصّر
(١) في ل "والثمر" وبهامشها: الشيخ محمد عبده "التمر" وآثرت قراءة الشيخ اعتمادا على رواية ث.