القوم فاقبل منهم، فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: أرَأيْتُمْ إنْ أعْطَيْتُكُمْ هَذِهِ هَلْ أنْتُمْ مُعْطِيّ كَلِمَةً إنْ أنْتُمْ تَكَلّمْتُمْ بهَا مَلَكْتُمْ بهَا العَرَبَ وَدَانَتْ لَكُمْ بهَا العَجَمُ؟ فقال أبو جهل: إنّ هذه لكلمة مُرْبحة، نعم وأبيك لنقولنّها وعشر أمثالها، قال: قُولُوا لا إلَهَ إلّا الله، فاشمأزّوا ونفَرُوا منها وغضبوا وقاموا وهم يقولون: اصبروا على آلهتكم، إن هذا لشيء يراد، ويقال: المتكلّم بهذا عقبة بن أبي مُعَيْط، وقالوا: لا نعود إليه أبدًا، وما خير من أن يُغْتالَ محمّد، فلمّا كان مساء تلك الليلة فُقِدَ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وجاء أبو طالب وعمومته إلى منزله فلم يجدوه، فجمع فتيانًا من بني هاشم وبني المطّلب ثمّ قال: ليأخذْ كلّ واحدٍ منكم حديدة صارمة ثمّ ليتبعني إذا دخلتُ المسجد، فلينظر كلّ فتًى منكم فليجلس إلى عظيم من عظمائهم فيهم ابن الحَنْظَلِيّة، يعني أبا جَهل، فإنّه لم يغب عن شرّ إن كان محمّد قد قُتل، فقال الفتيان: نفعل، فجاء زيد بن حارثة فوجدَ أبا طالب على تلك الحال، فقال: يا زيد أحسست ابن أخي؟ قال: نعم كنتُ معه آنفًا، فقال أبو طالب: لا أدخل بيتي أبدًا حتى أراهُ، فخرَج زَيدٌ سريعًا حتى أتى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وهو في بيت عند الصَّفَا ومعه أصحابه يتحدّثون، فَأَخْبَرَهُ الخبر، فجاء رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، إلى أبي طالب، فقال: يابن أخي أين كنت؟ أكنتَ في خيرٍ؟ قال: نَعَمْ، قال: ادخل بيتك، فدخل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا أصبح أبو طالب غَدا على النبيّ، - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ بيده فوقف به على أندية قريش، ومعه الفتيان الهاشميون والمطّلبيون، فقال: يا معشر قريش هل تدرون ما هَممتُ به؟ قالوا: لا، فأخبرهم الخبر، وقال للفتيان: اكشفوا عمّا في أيديكم، فَكَشَفُوا، فإذا كلّ رجل منهم معه حديدة صارمة، فقال: والله لو قتلتموه ما بَقَّيْتُ منكم أحدًا حتى نتفانى نحن وأنتم، فانكسر القوم وكان أشدّهم انكسارًا أبو جهل *).
* * *
ذكر هجرة من هاجر من أصحاب رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، إلى أرض الحبشة في المرَّة الأولى
أخبرنا محمّد بن عمر، أخبرنا هِشام بن سعد عن الزهريّ قال: لمّا كثر المسلمون وظَهَر الإيمان وتُحُدّث به ثارَ ناسٌ كثيرٌ من المشرِكين من كُفّار قريش بمن