للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خرجت فكنت أَسيرُ اللّيلَ وأتوارى بالنّهارِ حتى قَدِمْتُ المدينة فوجدتُ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فى المسجد فلمّا رآنى قال: أفلَحَ الوجهُ! قلت: أفلَحَ وجهُك يا رسول الله! فوضعتُ رأسه بين يديه وأخبرته خبرى فدفَع إلىّ عصًا وقالَ: تخصّرْ بهذه فى الجنّة! فكانت عنده، فلمّا حضرته الوفاةُ أوصى أهلَه أن يُدرجوها فى كَفَنِهِ ففعلوا، وكانت غَيبته ثمانى عشرة ليلة وقدم يوم السبت لسبع بقينَ من المحرّم.

* * *

سريّة المنذر بن عَمرو (١)

ثمّ سريّة المنذر بن عَمرو الساعدى إلى بئر مَعُونة فى صَفَر على رأس ستّة وثلاثين شهرًا من مُهاجَرِ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قالوا: وقَدِمَ عامر بن مالك بن جعفر أبو بَراء مُلاعِب الأسِنّة (٢) الكِلابىّ على رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهدى له فلم يقبل منه وعرض عليه الإسلام فلم يُسلِم ولم يُبعد وقال: لو بعثتَ معى نفرًا من أصحابك إلى قومى لَرجوتُ أن يجيبوا دعوتَك ويتبعوا أمرك، فقال: إنّى أخافُ عليهم أهل نَجدٍ. فقال: أنا لهم جَارٌ إن يعرض لهم أحدٌ. فبعثَ معه رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سبعين رجلًا من الأنصار شَبَبَةً (٣) يُسمّونَ القُرّاء (٤)، وأمّر عليهم المنذِر بن عَمرو الساعدى، فلمّا نزلوا ببئر مَعونة، وهو ماء من مياه بنى سُليم وهو بين أرض بنى عامر وأرض بنى سُليم، كلا البَلَدَين يُعدّ منه وهو بناحية المعدن، نزلوا عليها


(١) مغازى الواقدى ص ٣٤٦، وتاريخ الطبرى ج ٢ ص ٥٤٥، والنويرى ج ١٧ ص ١٣٠.
(٢) الأسنة: جمع سنان وهو نصل الرمح. وسمى ملاعب الأسنة لأن أخاه طفيلا الذى كان يقال له: فارس قرزل، أسلمه وفر يوم سوبان، وهو يوم كان بين قيس وتميم، فقال الشاعر:
فررت وأسلمت ابن أمك عامرا … يلاعب أطراف الوشيج المزعزع
فسمى ملاعب الرماح، وملاعب الأسنة.
(٣) شببة: شبان.
(٤) سمو القراء لأنهم كانوا أكثر قراءة من غيرهم، وفى شرح الواهب: أنهم كانوا يصلون بعض الليل، ويدرسون بعضه، ويحتطبون، ويبيعون بعضه يشترون به طعاما لأهل الصفة والفقراء، وبعضه يأتون به الحجر الشريفة.