ذكر كلام النّاس حين شَكُّوا في وفاة رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزّهريّ عن أبيه عن صالح بن كَيْسان عن ابن شِهاب، أخبرني أنَس بن مالك قال: لما توفّى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بكى النّاسُ فقام عمرُ بن الخطّاب في المسجد خطيبًا فقال: لا أسمعنّ أحدًا يقول: إنّ محمدًا قد مات، ولكنه أُرسل إليه كما أُرسل إلى موسى بن عِمران فلبث عن قومه أربعينَ ليلة، والله إنّى لأرجو أن يَقطع أيْدِىَ رجالٍ وأرْجُلهم يزعمون أنّه مات.
أخبرنا عارم بن الفضل، أخبرنا حمّاد بن زيد، أخبرنا أيّوب عن عِكْرمة قال: تُوفّى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا إنّما عُرِجَ برُوحه كما عُرِجَ بروحِ موسى! قال: وقام عمر خطيبًا يُوعد المنافقين، قال وقال: إنّ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم يَمت ولكن إنّما عُرِج بروحه كما عُرِج بروح موسى، لا يموت رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حتى يَقْطَع أيدى أقوام وألسنَتَهم! قال: فما زال عمر يتكلّم حتَّى أزْبَدَ شِدْقَاه، قال فقال العبّاس: إنّ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يأسنُ كما يأسَنُ البَشَر، وإنّ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد مات فادفنوا صاحبكم، أيُمِيتُ أحَدَكم إماتَةً ويميتُه إماتَتَين؟ هو أكرمُ على الله من ذلك، فإن كان كما تقولون فليسَ على الله بعزيز أن يبحث عنه التّرابَ فيُخرِجه إن شاء الله، ما مات حتى تَرَكَ السّبيل نَهْجًا واضحًا، أحَلّ الحَلالَ وحَرّمَ الحَرَامَ ونكح وطلّق وحَارَبَ وسالَمَ، وما كان راعى غَنَمٍ يتبع بها صَاحبُها رءوسَ الجِبال يَخْبط عليها العِضَاهَ بمِخْبَطه ويَمدر حَوْضَها بيده بأنْصبَ ولا أدأبَ من رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان فيكم.
أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حمّاد بن سَلَمة عن أبي عِمْران الجَوْنى عن يزيد بن بَابَنُوس (١) عن عائشة قالت: لما تُوفّى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، استأذن عُمر والمُغيرة بن شُعْبة فدخلا عليه فكَشَفا الثوبَ عن وجهه فقال عمر: وَا غَشْيَا! ما أشَدّ غَشْىَ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! ثمّ قاما فلمّا انتهيا إلى الباب قال المغيرة: يا عُمر مات واللهِ رسولُ الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! فقال عمر: كذبتَ! ما مات رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولكنّك
(١) بابنوس: بموحدتين بينهما ألف ثم نون مضمومة وواو ساكنة ومهملة، قيده صاحب التقريب.