للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حجّةُ الوداع (١)

ثمّ حجّة رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالنّاس سنة عشر من مُهاجَره، وهي التي يسمّى النّاس حجّةَ الوَداع، وكان المسلمون يسمّونها حجّة الإسلام.

قالوا: أقام رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالمدينة عشر سنين يضحّى كلّ عامٍ ولا يحلق ولا يقصّر ويغزو المغازي ولا يحجّ حتَّى كان في ذى القعدة سنة عشر من مُهاجَر رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأجمعَ الخروج إلى الحجّ وآذن النّاس بذلك، فقدِمَ المدينةَ بشرٌ كثيرٌ يَأْتمُّونَ (٢) برسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فى حجّته ولم يحجّ غيرها منذ تُنُبّئ إلى أن توفّاه الله. وكان ابن عبّاس يكره أن يُقال حجّة الوداع ويقول حجّة الإسلام، فخرج رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من المدينة مغتسلًا مُتدهّنًا مترجّلًا متجرّدًا في ثوبين صُحاريّين إِزَار ورِداء، وذلك يوم السبت لخمس ليالٍ بَقَين من ذى القعدة، فصلّى الظهر بذى الحُليفة ركعتين وأخرج معه نساءَه كلّهنّ في الهَوَادج. وأشْعر هَدْيه وقلّده ثمّ ركب ناقته، فلمّا استوى عليها بالبيْداء أحرمَ من يومه ذلك، وكان على هَدْيه ناجية بن جُنْدُب الأسْلَمى واختُلف علينا فيما أهلّ به: فأهل المدينة يقولون أهلّ بالحجّ مُفْرِدًا، وفى رواية غيرهم أنّه قَرَن مع حجّته عُمرةً، وقال بعضهم دخل مكّة متمتّعًا بعُمرة ثمّ أضاف إليها حجّةً، وفي كلٍّ روايةٌ، والله أعلم. ومضى يسير المنازل ويؤمّ أصحابه في الصلوات في مساجد له قد بناها النّاس وعرفوا مواضعها، وكان يوم الاثنين بمرّ الظهران فغربت له الشمس بِسَرِف ثم أصبح فاغتسل ودخل مكّة نهارًا، وهو على راحلته القَصْواء، فدخل من أعلى مكّة من كَداء حتى انتهى إلى باب بني شَيبة، فلمّا رأى البيت رفع يديه فقال: اللهمّ زِدْ هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزِدْ مَن عَظّمَه ممّن حجّه واعتمره تشريفًا وتكريمًا ومهابةً وتعظيما وبرًّا!

ثمّ بدأ فطاف بالبيت ورَمَل ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر، وهو مُضطبعٌ


(١) الواقدي ص ١٠٨٨، والنويري ج ١٧ ص ٣٧١.
(٢) كذا في متن ل وبهامشها: يأتمون: اقْرَأْ "يأتمرون" وقد آثرت إبقاء ما في المتن اعتمادا على رواية ت وقد ضبطت فيها الميم -ضبط قلم- بالتشديد والضم. النويري مفسرا "فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويعملَ مثل عمله".