للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وقدم ثابت بن المنذر بن حَرام، وهو أبو حسّان بن ثابت الشاعر، مكّة معتمرًا فلقى المطّلب وكان له خليلًا، فقال له: لو رأيت ابن أخيك شيبة فينا لرأيت جمالًا وهيبة وشرفًا، لقد نظرت إليه وهو يناضل (١) فتْيانًا من أخواله فيُدخل مِرْماتَيه (٢) جميعًا فى مثل راحتى هذه ويقول كلما خَسَقَ (٣): أنا ابن عَمْرِو العُلَى! فقال المُطّلب: لا أُمسى حتى أخرج إليه فأقدم به، فقال ثابت: ما أرى سلمَى تدفعه إليك ولا أخواله، هم أضَنّ به من ذلك وما عليك أن تَدَعَه فيكون فى أخواله حتى يكون هو الذى يقدِم عليك إلى ما ههنا راغبًا فيك، فقال المطّلب: يا أبَا أوس ما كنْتُ لأَدعه هناك ويترك مآثر قومه وَسِطَتَه ونسبه وشرفه فى قومه ما قد علمت، فخرج المطّلب فورد المدينة فنزل فى ناحية وجعل يسأل عنه حتى وجده يرمى فى فتيانٍ من أخواله، فلمّا رآه عرف شبْه أبيه فيه ففاضت عيناه وضمّه إليْه وكساه حُلّة يمانيّة وأنشأ يقول:

عَرَفْتُ شَيْبَةَ والنّجّارُ قدْ حَفَلَتْ .... أبناؤها حوله بالنّبْل تَنْتَضِلُ

عرفْتُ أجْلاده منّا وشيمتَهُ … ففاضَ منّى عليه وابلٌ سَبَلُ

فأرسلت سلمى إلى المُطّلب فدعتْه إلى النّزول عليها، فقال: شأنى أخفّ من ذلك، ما أريد أن أحُلّ عقدة حتى أقبض ابن أخى وألحِقه ببلده وقومه، فقالت: لسْتُ بِمُرْسِلَتِه معك، وغَلَّظت عليه، فقال المطّلب: لا تفعلى فإنى غير منصرف حتى أخرج به معى، ابن أخى قد بلغ وهو غريب فى غير قومه ونحن أهلُ بيتٍ شرفُ قومِنا، والمقام ببلده خير له من المقام ههنا وهو ابنكِ حيث كان، فلمّا رأت أنّه غير مُقَصّر حتى يخرج به استنظرته ثلاثة أيّام، وتحوّل إليهم فنزل عندهم فأقام ثلاثًا ثمّ احتمله وانطلقا جميعًا (٤)، فأنشأ المطّلب يقول كما أنشدنى هشام بن محمد عن أبيه:


(١) يناضل فتيانا: يباريهم فى الرمى.
(٢) المرماتان: سهمان يرمى بهما الرامى فيحرز سبقه.
(٣) خسق السهم: أصاب الغرض.
(٤) الخبر بطوله لدى النويرى ج ١٦ ص ٤١ - ٤٢ نقلا عن ابن سعد.