للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: فغدا عبد المطّلب بِمِعْوَله وَمِسْحَاتِهِ معه ابنه الحارث بن عبد المطّلب، وليس له يومئذٍ ولد غيره، فجعل عبْد المُطّلب يحفر بالمعْول ويغرف بالمسحاة فى المِكْتَل فيحمله الحارث فيلقيه خارجًا، فحفر ثلاثة أيّام ثمّ بَدا لَه الطَّوِىّ (١) فكبَّر وقال: هذا طوىّ إسماعيل، فعرفت قريش أنّه قد أدرك الماء فأتوه فقالوا: أَشْرِكْنا فيه، فقال ما أنا بفاعل، هذا أمْرٌ خُصِصْتُ به دونكم فاجْعلوا بيْنَنا وبيْنَكم مَن شِئْتُم أُحاكمْكم إليه، قالوا: كاهنة بنى سعد هُذيم، وكانت بمُعان من أشراف الشأم، فخرجوا إليها وخرج مع عبد المطّلب عشرون رجلًا من بنى عبد مَناف، وخرجت قريْش بعشرين رجلًا من قبائلها، فلمّا كانوا بالفَقير من طريق الشأم أو حَذْوه فَنِىَ ماء القَوم جميعًا فعطشوا فقالوا لعبد المطّلب: ما ترى؟ فقال: هو الموت، فليحفر كلّ رجل منكم حُفرة لنفسه فكُلّما ماتَ رجلٌ دفنه أصحابه حتى يكون آخرهم رجلًا واحدًا فيموت ضِيعَةً أيْسَرُ من أن تموتوا جميعًا، فحفروا ثمّ قعدوا ينتظرون الموت، فقال عبد المطّلب: والله إنّ إلقاءنا بأيدينا هكذا لَعَجْزٌ، ألا نضرب فى الأرض فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض هذه البلاد! فارتحلوا، وقام عبد المطّلب إلى راحلته فركبها، فلمّا انبعثت به انْفجر تحت خُفّها عينُ ماء عَذْب، فكبَّر عبد المطّلب وكبَّر أصحابه وشربوا جميعًا، ثمّ دعا القبائل من قريش فقال: هلمّوا إلى الماء الرّواء فقد سقانا الله، فَشَربوا واستقوا وقالوا: قد قُضى لك علينا، الذى سقاك هذا الماء بهذه الفَلاة هو الذى سقاك زمزم، فوالله لا نخاصمك فيها أبدًا! فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلّوا بينه وبين زمزم (٢).

قال: أخبرنا خالد بن خِداش، أخبرنا معتمر بن سليمان التيمىّ قال: سمعتُ أبى يحدّث عن أبى مِجْلز: أن عبد المُطّلب أُتى فى المنام فقيل له: احتفِرْ، فقال: أين؟ فقِيل له: مكان كذا وكذا، فلم يحتفر، فأُتى فقيل له: احتفِرْ عند الفرث عند النمل عند مجلس خزاعة ونحوه، فاحتفر، فوجد غزالا وسلاحًا وأظفارًا، فقال قومه لمّا رأوا الغنيمة: كأنهم يريدون أن يغازوه (٣)، قال: فعند ذلك نذر لئن


(١) الطوى: البئر المطوية بالحجارة.
(٢) ابن هشام: السيرة ج ١ ص ١٤٣ - ١٤٥.
(٣) كذا فى ل بالغين المعجمة. ورواية م "يعازوه" وتحت العين علامة الإهمال للتأكيد. وغازَّه: أسرع إليه ونَافَسَه. وعازَّه: غالَبَه.