للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقال: يحجّون إلى بيت الله بمكّة، قال: ممّ هو؟ قالوا: من حجارة، قال: وما كِسْوَته؟ قالوا: ما يأتى من ههنا، الوصائل، قال: والمسيحِ لأبْنِيَنّ لكم خيرًا منْه! فبنى لهم بيتًا عمله بالرّخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود وحلَّاه بالذهب والفِضّة، وحَفَّه بالجوهر، وجعل له أبوابًا عليها صفائح الذّهَب، ومسامير الذهب، وفصّل بينها بالجوهر، وجعل فيها ياقوتة حمْراء عظيمة وجعَل له حُجّابًا، وكان يوقد فيه بالمَنْدلىّ (١)، ويلطّخ جُدُرَهُ بالمسْك فيسودّ حتى يغيب الجوهر، وأمر النّاس فحجّوه، فحجّه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيه رجال يتعبّدون ويتألّهون ونسكوا له، وكان نُفَيْل الخثعمىّ يُؤَرّضُ (٢) له ما يكره، فأمهل، فلمّا كان ليلة من اللَّيَالى لم يرَ أحدًا يتحرك فقام فجاء بِعَذِرَةٍ فلطّخ بها قبلتَه وجمع جِيَفًا فألقاها فيه، فأُخبر أبرهةُ بذلك فغضب غضبًا شديدًا وقال: إنّما فعلَت هذا العرب غضبًا لبيتِهِمْ، لأنقضنّه حجرًا حجرًا! وكتب إلى النّجاشىّ يخبره بذلك ويسأله أن يبعث إليه بفيله محمود، وكان فِيلًا لم يُرَ مثله فى الأرض عظمًا وجِسمًا وقُوّة، فبعث به إليه، فلمّا قدم عليه الفيل سار أبرهةُ بالنّاس ومعه مَلِكُ حِمْيَر ونُفَيْل بن حبيب الخثعمىّ، فلمّا دنَا من الحرم أمر أصحابه بالغارة على نَعَم النّاس، فأصابوا إبلًا لعبد المطّلب، وكان نُفَيْل صديقًا لعبد المطّلب فكلّمه فى إبله فكلّم نفيلٌ أبْرهة فقال: أيّها الملِكُ قد أتاك سيّد العَرب وأفضلهم وأعظمهم شرفًا يحمل على الجِياد ويُعطى الأموال ويُطعم ما هبّت الرّيح، فأدخله على أبرهة، فقال له: حاجتك؟ قال: تردّ علىّ إبلى، قال: ما أرى ما بلغَنى عنك إلّا الغُرور وقد ظننتُ أنّك تُكلّمنى فى بيتكم هذا الذى هو شرفكم! قال عبد المطّلب: ارددْ علىّ إبلى ودونك والبيت فإنّ له ربًّا سيمنعه! فأمر بردّ إبله عليه، فلمّا قبضها قلّدها النّعال وأشعرها وجعلها هَدْيًا وبثّها فى الحرمِ لكى يُصابَ منها شئ فيغضب ربّ الحرم، وأوفى عبد المطّلب على حِراء ومعه عَمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ومُطْعِم بن عَدىّ وأبو مَسعود الثقفىّ فقال عبد المطّلب:


(١) فى الطبرى ج ٢ ص ١٣٧ وهو ينقل عن ابن سعد "بالمندل".
(٢) أرض الشئ: سواه وزينه.