واحد منهما صاحبَه برسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ثمّ أخلدا إلى الأرض يتحدّثان، فرأى عمر عند معاذ غلمانًا فقال: ما هؤلاء يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أصبتهم في وجهي هذا، قال عمر: من أيّ وجه؟ قال: أُهْدوا إليّ وأُكْرِمْتُ بهم، فقال عمر: اذكُرْهم لأبي بكر، فقال معاذ: ما ذكرى هذا لأبي بكر. ونام معاذ فرأى في النوم كأنّه على شفير النّار وعمر آخذ بحُجْزَته من ورائه يمنعه أن يقع في النار، ففزع معاذ فقال: هذا ما أمرني به عمر. فقدم معاذ فذكرهم لأبي بكر فسوّغه أبو بكر ذلك وقضى بقيّة غرمائه وقال: إني سمعتُ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، يقول: لعلّ الله يجبرك.
أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا موسى بن عبيدة عن أيّوب بن خالد عن عبد الله بن رافع قال: لمّا أصيبَ أبو عبيدة بن الجرّاح في طاعون عَمَوَاس استخلف معاذَ بن جبل واشتدّ الوَجَع فقال النّاس لمعاذ: ادْعُ الله يرفعْ عنّا هذا الرّجْز، قال: إنّه ليس برجز ولكنّه دعوة نبيّكم، - صلى الله عليه وسلم -، ومَوْتُ الصالحين قبلكم وشهادةٌ يختصّ بها الله من يشاء منكم. أيّها النّاس، أربَع خلال من استطاع أن لا يُدْرِكَه شيء منهنّ فلا يدركه. قالوا: وما هي؟ قال: يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويُصبح الرجل على دينٍ ويُمسي على آخَرَ، ويقول الرجل والله ما أدري على ما أنا، لا يعيشُ على بَصِيرَةٍ ولا يموتُ على بصيرةٍ، ويُعْطى الرجل المالَ من مال الله على أن يتكلّم بكلام الزّور الذي يُسْخِط الله، اللّهُمّ آتِ آلَ معاذ نصيبَهم الأوْفَى من هذه الرحمة. فطُعن ابناه فقال: كيف تَجِدانكما؟ قالا: يا أبانا {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}[سورة البقرة: ١٤٧]. قال: وأنا ستَجِداني إن شاء الله من الصابرين. ثمّ طُعِنَتَ امرأتاه فهلكتا وطُعِن هو في إبهامه فجعل يمسّها بفيه يقول: اللّهُمّ إنّها صغيرة فبارِكْ فيها فإنّك تبارك في الصّغير، حتى هلك (١).
حدّثنا عُبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن شَهْر بن حَوْشَب عن الحارث بن عميرة الزبيديّ قال: إني جالس عند معاذ بن جبل وهو يموت فهو
(١) أورده ابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج ٢٤ ص ٣٨٠.