للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المغيرة عن حُميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت الغِفارىّ عن أبي ذرّ قال: خرجنا من قومنا غفار وكانوا يُحِلّون الشهرَ الحرامَ، فخرجتُ أنا وأخى أُنيس وأُمّنا فانطلقنا حتى نزلنا على خالٍ لنا فأكرمنا خالُنا وأحسن إلينا، قال فحسدنا قومُه فقالوا له: إنّك إذا خرجتَ عن أهلك خالف إليهم أُنيس. قال فجاء خالنا فنثا علينا ما قيل له فقلتُ: أما ما مضى من معروفٍ فقد كدّرتَ ولا جماعَ لك فيما بعدُ. قال فقرّبنا صِرْمَتَنا (١) فاحتملنا عليها وتغطّى خالُنا بثوبه وجعل يبكى، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكّة، فنافر أُنيس عن صِرْمتنا وعن مثلها فأتيا الكاهن فخبّر أُنيسًا بما هو عليه، قال فأتانا بصرمتنا ومثلها معها وقد صلّيتُ يابنَ (٢) أخى قبل أن ألْقى رسولَ الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثلاث سنين، فقلتُ: لمن؟ قال: لله. فقلتُ: أين تَوَجّهُ؟ قال: أتَوَجّهُ حيث يُوَجّهُنى الله، أصلّى عشاءً حتى إذا كان من آخر السّحَرِ أُلْقيتُ كأنّى خفاءٌ (٣) حتى تعلونى الشمس.

فقال أُنيس: إنّ لى حاجة بمكّة فاكْفِنى حتى آتيَك. فانطلق أُنيس فراث (٤) عَلَىَّ، يعنى أبطأ، ثمّ جاء فقلتُ: ما حبسك؟ قال: لقيتُ رجلًا بمكّة على دينك يزعم أنّ الله أرسله. قال: فما يقول الناس له؟ قال: يقولون شاعر كاهن ساحر. وكان أُنيس أحد الشعراء، فقال أُنيس: والله لقد سمعتُ قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعتُ قوله على أقراء الشّعْر فلا يلتئِمُ على لسان أحدٍ بعيد أنّه شعر، والله إنّه لصادق وإنّهم لكاذبون! فقلتُ اكفنى حتى أذهب فأنظر!

قال: نعم، وكُنْ من أهل مكّة على حَذَرٍ فإنّهم قد شَنِفُوا (٥) له وتَجهَّمُوا له. فانطلقتُ فقدمتُ مكّة فاستضعفتُ رجلًا منهم فقلتُ: أين هذا الذى تَدْعونَ الصابئ؟ قال فأشار إلىّ فقال: هذا الصابئ. فمال علىّ أهلُ الوادى بكلّ مَدَرَةٍ وعَظْمٍ فخررتُ مغشيًّا علىّ فارتفعتُ حين ارتفعتُ كأنّى نَصْب أحمر، فأتيتُ


(١) الصِّرمة: القطعة من الإبل.
(٢) في متن ل "بابن" وبهامشها: أو لعل الأصح "يابنَ أخى" وهو كذلك وأثبته اعتمادا على رواية ث.
(٣) كساء يطرح على السقاء.
(٤) يقال: راث فلان علينا إذا أبطأ.
(٥) في متن ل "شنعوا" وبالهامش قراءة دى خويه "شنفوا" وآثرت قراءته اعتمادا على رواية ث، وما ورد لدى ابن الأثير في النهاية (شنف) في إسلام أبي ذَرّ "فإنهم شَنِفُوا له" أى أبغضوه.