للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أو قال: مكة شكّ ابنُ عَوْن - وإنك والله ما سَببتَ قومًا قط بشيء هو أشد عليهم من شيء يعرفونه، فَمُرْ بي إلى من يعرف أيامهم وبيوتاتهم حتى أضع لساني، قال: فأمر به إلى أبي بكر (١).

قال محمد: كان ثلاثة من الأنصار يُهاجُون عن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، فأما حسان فكان يذكر عيوبَهم وأيامَهم. وأما عبد الله بن رواحة فكان يُعَيّرهم بالكفر وَتَرَدّدهمْ فيه. وأما كعب فكان يذكر الحرب فيقول: فعلنا ونفعل ونفعل ويهددهم.

أخبرنا هَوْذَةُ بن خليفة، قال: حدثنا عوفُ، عن محمد، قال: هجا رسولَ الله، - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابَه ثلاثةٌ من كفار قريش: أبو سفيان بن الحارث، وعمرو بن العاص، وابن الزِّبعْرَى (٢).

قال فقال قائل لعلي: اهجُ عنا هؤلاء القوم الذين قد هجونا، قال فقال عليّ: إن أذن لي رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فعلتُ، فقال الرجل: يا رسول الله ائذن لعلي كيما يهجو عنا هؤلاء القوم الذين قد هجونا، فقال: ليس هناك، أوليس عنده ذلك. ثم قال للأنصار: ما يمنع القومَ الذين قد نَصَرُوا رسولَ الله، - صلى الله عليه وسلم -، بسلاحهم وأنفسهم أن ينصروه بألسنتهم؟ فقال حسان بن ثابت: أنا لها يا رسول الله، وأخذ بطرف لسانه فقال: والله ما يسرُّني به مِقْول بين بصرى وصنعاء، فقال له رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: وكيف تهجوهم وأنا منهم؟ قال: إني أسُلّك منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين (٣).

قال: فكان يهجوهم ثلاثة من الأنصار ويجيبونهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة. قال: فكان حسان بن ثابت وكعب بن مالك يعارضانهم بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر، ويعيرونهم بالمثالب، قال: وكان ابن رَوَاحَةَ يُعيّرهم بالكفر وينسبهم إلى الكفر ويعلم أنه ليس فيهم شيء شر من الكفر، قال: فكانوا في ذلك الزمان أشد القول عليهم قول حسان وكعب بن مالك، وأهون القول عليهم قول عبد الله بن رواحة، قال: فلما أسلموا وفَقِهوا الإسلام كان أشد القول عليهم قول عبد الله بن رواحة.


(١) مختصر ابن عساكر ج ٦ ص ٢٩٤.
(٢) أسد الغابة ج ٢ ص ٥.
(٣) المصدر السابق.