فقالوا: نُصيب ولدًا نُرضعه، ومعها نسوةٌ سَعديّات، فَقَدِمْنَ فأقَمن أيّامًا، فأخذن ولم تأخذ حَليمة، ويُعرض عليها النبىّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالت: يتيم لا أبَ له، حتى إذا كان آخر ذلك أخذته وخرَج صواحبها قَبلها بيوم، فقالت آمنة: يا حَليمة اعلَمى أنّكِ قد أخذتِ مولودًا له شأن، والله لحملتُه فما كنتُ أجد ما تجد النّساء من الحملِ، ولقد أُتيت فقيل لى: إنّك ستلدين غُلامًا فسمِّيه أحمد وهو سيّد العالمين، ولوقع معتمدًا على يديه رافعًا رأسَه إلى السماء، قال: فخرجت حليمة إلى زوجها فأخبرته، فسُرّ بذلك، وخرَجوا على أتانهم مُنطلقة، وعلى شارفهم قد دَرّت باللبن، فكانوا يجلبون منها غَبُوقًا وصَبُوحًا، فطلَعَت على صواحبها، فلمّا رأينها قُلن: مَنْ أخَذتِ؟ فأخبرتهن، فقلن: والله إنّا لنرجو أن يكون مُبارَكًا، قالت حليمة: قد رأينا بَرَكته، كنتُ لا أروى ابنى عبد الله ولا يَدَعنا ننام من الغَرث، فهو وأخوه يَرويَان ما أحبّا وينامان ولو كان معهما ثالث لرَوِىَ، ولقد أمَرَتْنى أُمه أن أسألَ عنْه: فرجعت به إلى بلادها، فأقامت به حتى قامت سوق عكاظ، فانطلقت برسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حتى تأتى به إلى عَرّاف من هُذيل يُريه النّاسُ صبيانَهم، فلمّا نَظَر إليه صاح: يا مَعْشر هُذيل! يا معشر العرب! فاجتمع إليه النّاس من أهل الموسم، فقال: اقتلوا هذا الصبىّ! وانسلّت به حليمة، فجعل النّاس يقولون؟ أىّ صبىّ؟ فيقول: هذا الصّبىّ! ولا يَرَوْنَ شيئًا قد انطلقت به أُمّه، فيقال له: ما هو؟ قال: رأيتُ غلامًا، وآلِهَتِهِ ليقتلنّ أهل دينكم، وليكسرنّ آلهتكم، وليظهرنّ أمره عليكم، فطُلب بعكاظ فلم يوجد، ورجعت به حليمة إلى منزلها، فكانت بعدُ لا تَعرضه لعرّاف ولا لأحدٍ من النّاس (١).
قال: أخبرنا محمد بن عمر، حدّثنى زياد بن سعد عن عيسى بن عبد الله بن مالك قال: جعل الشّيخ الهُذَلىّ يصيح: يا لهذيل! وآلهتِه إنّ هذا لينتظر أمرًا من السّماء، قال: وجعل يُغْرَى بالنبىّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم يَنْشَبْ أن دَلِهَ فذهب عقله حتى مات كافرًا.
وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنى مُعاذ بن محمد عن عطاء بن أبى رَباح عن ابن عبّاس قال: خرجت حليمة تطلب النبىّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد بَدَت البهمُ تَقِيل،