للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابن الجَمُوح منهم، وكان من أشرافهم وكان له صنم يُقال له مناف يعظّمهُ ويطهرهُ، وكانت بنو سَلمة تذبح ذبائحها على صنمِ عَمْرو لشرف عَمْرو فيهم، وكان فتيان من بني سلمةَ قد أسلموا، منهم: مُعاذُ بن جبل، وعبد الله بن أنيس، وقطبةُ بن عامر بن حديدة وثعلبةُ بن عَنَمَةَ، فكانوا يُمهلون حتى إذا ذهب الليل دخلوا بيتَ صَنَمِ عَمْرو بن الجَمُوح، فيخرجونه فيطرحونه في أنتن حُفَرِ بني سلمة وينكسونَهُ على رأسه، فإذا أصبح عَمْرو فرآه غمَّهُ ذلك، فيأخذه فيغسله ويُطَهّرهُ ويُطيّبهُ، ثم يعودون لمثل فعلهم، فلما كثر ذلك على عَمْرو، وَجدَهُ يومًا منكسًا في بئر مقرونًا بكلب، فأبصر شأنه وما هو فيه، وأتاه قطبة بن عامر بن حديدة، فقال: مثلك وأنت سيدُنا وشريفُنا تصنعُ ما تصنع! تظن أن هذه الخَشَبَة تعقلُ شيئًا أو تمنعُ من شيء! أيها الرجل، إنَّهُ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله.

ولقيه عبد الله بن عمرو بن حرام فقال: أيها الشيخُ أما أنى لك أن تبصر ما ترى وما اتِّباعُكَ خشبةً أنت عملتها بيديك؟! تعلمنّ أني أُذكِرك الله في نفسك أن تموت على ما مات عليه قومُك. قال فما رام أبو جابر يُكلّمهُ حتى أسلم. فكان إسلام عَمْرو بركة على قومِه، ما يُغادرُ وَاحِدٌ مِن بني سلمةَ إلا أسلم، ثم أنشأ يقول شكرًا لله الذي هداه مما كان فيه - من العمى والضلالةِ، وحين عرف من الله ما عَرفَ وأبصر من شأنه.

الحمدُ لله العَلِيِّ ذي المِنَنْ … الوَاهِبِ الرزَّاقِ دَيّانِ الدِّيَنْ (١)

هو الذي أَنْقَذَنِي مِنْ قبْلِ أن … أَكُونَ في ظُلمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ

والله لو كُنْتَ إلهًا لم تكُنْ … أنتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بئرٍ في قَرَنْ

أُفٍّ لمثواك إلهًا مُسْتَدن (٢) … فالآن فَتَّشْنَاكَ عن شر الغَبَنْ (٣)


(١) قال السهيلي في الروض: "وقوله: ديان الدين، الدين لله جمع دينه، وهي العادة، ويقال لها دين أيضًا. ويجوز أن يكون أراد بالدين: الأديان، أي: هو ديان أهل الأديان ولكن جمعها على الدين، لأنها ملل ونحل".
(٢) مستدن: من السدانة، وهي خدمة البيت وتعظيمه.
(٣) انظره لدى ابن هشام، ج ٢ ص ٤٥٣، وابن الأثير: أسد الغابة ج ٤ ص ٢٠٨.