ثمّ خرج إلى أبي سفيان بن حرب فقال: قد جئتك بنصيحة فاكتم عني، قال: أفعل، قال: تعلم أَنَّ قُرَيْظَةَ قد نَدِموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، - عليه السلام -، وأرادوا إصلاحَه ومراجعته، أرسلوا إليه وأنا عندهم: إنّا سنأخذ من قريش وغَطَفان سبعين رجلًا من أشرافهم نُسلِّمهم إليك تضرب أعناقَهم ونكون معك على قريش وغطفان حتى نردّهم عنك وتردّ جَناحَنا الذي كسرتَ إلى ديارهم - يعني بني النضير - فإن بعثوا إليكم يسألونكم رَهْنًا فلا تدفعوا إليهم أحدًا واحذروهم.
ثم أتَى غَطَفان فقال لهم مثل ما قال لقريش، وكان رجلًا منهم، فصدّقوه. وأرسلت قُريظة إلى قريش: إنّا والله ما نخرج فنقاتل معكم محمدًا، - صلى الله عليه وسلم -، حتى تعطونا رَهْنًا منكم يكونون عندنا فإنّا نتخوّف أن تنكشفوا وتَدَعونا ومحمدًا. فقال أبو سفيان: هذا ما قاله نُعيم، وأرسلوا إلى غطفان بمثل ما أرسلوا إلى قريش، فقالوا لهم مثل ذلك، وقالوا جميعًا: إنّا والله ما نُعْطيكم رَهْنًا ولكن اخرجوا فقاتلوا معنا. فقالت يَهُودُ: نحلف بالتوراة إنّ الخبر الذي قال نُعيم لحَقّ. وجعلت قريش وغطفان يقولون: الخبر ما قال نُعيم، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، وهؤلاء من نصر هؤلاء، واختلف أمرهم وتفرّقوا، فكان نُعيم يقول: أنا خذّلتُ بين الأحزاب حتى تفرّقوا في كلّ وجه وأنا أمين رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، على سرّه. وكان صحيح الإسلام بعد ذلك *).
قال محمد بن عمر: وهاجر نُعيم بن مسعود بعد ذلك وسكن المدينة، وولده بها، وكان يَغْزُو مَعَ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، إذا غزا، وبعثه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، لما أراد الخروج إلى تبُوك إلى قومه ليستنفرهم إلى غَزْوِ عَدوّهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني سعيد بن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه عن جدّه، قال: بعث رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، نُعيم بن مسعود ومَعْقِل بن سِنان إلى أشجع يأمرانهم بحضور المدينة لغزو مكّة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، عن خلف بن خليفة، عن أبيه، أنّ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، نزع الأخِلّة (١) بِفِيهِ عن نُعيم بن مسعود حين مات.