للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلما دنا من مكة، قال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأصحابه: يأتيكم عِكْرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبوا أباه فإن سَبّ الميت يؤذى (١) الحى ولا يبلغ الميت، قال: فقدم عكرمة فانتهى إلى باب رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وزوجته معه منتقبة، قال: فاستأذنت على رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فدخلت فأخبرت رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بقدوم عِكرمة فاستبشرَ ووثَبَ قائمًا على رِجليه وما على رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رداء فرحًا بِعِكرمة، وقال: أَدخليه، فدخل فقال: يا محمد، إن هذه أخبرتنى أنك أمنتنى، فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَدَقَت فأنتَ آمن، قال عكرِمة: فقلت: أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنكَ عبدُ الله ورسوله، وقلت: أنت أَبرّ الناس وأصْدَق الناس وأَوْفَى الناس، أقول ذلك وإنى لمطأطئ الرأس استحياءً منه، ثم قلتُ: يا رسول الله، استغفِر لي كل عداوة عاديتكها أو مركب أوضعت فيه أريد به إظهار الشِّرك، فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللهم اغفر لِعِكْرمة كل عداوة عادانيها أو منطق تكلم به أو مركب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك (٢).

فقلت: يا رسول الله، مُرْنِى بخير ما تعلم فأعلمه، قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وجاهِد في سبيله، ثم قال عِكرمة: أما والله يا رسول الله لا أَدَعُ نفقةً كنتُ أنفقها في صَدٍّ عن سبيل الله إِلّا أنفقتُ ضِعْفَها في سبيل الله ولا قِتالًا كنتُ أقاتِل في صَدٍّ عن سبيل الله إلا أَبَليتُ ضعفه في سبيل الله. ثم اجتهد في القتال حتى قُتِل شهيدًا (٣) يوم أجنادين في خلافة أبى بكر الصّدّيق، وقد كان رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، استعمله عام الحج على هَوَازِن يصدقها، فتوفى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعِكْرِمة يومئذ بتَبَالة.

قال: أخبرنا مَعْنُ بن عيسى قال: حدّثنا مالك بن أنس عن ابن شِهَاب أن أم حَكِيم بنت الحارث بن هشام كانت تحت عِكْرِمَة بن أبي جهل، فأسلمت يوم


(١) ذكر محقق ط أن كلمة "الميت يؤذى" ساقطة في الأصل، وأنه أضافها كما وردت في المصادر مع أنها مستدركة في هامش الأصل.
(٢) مختصر ابن عساكر ج ١٧ ص ١٣٦، ١٣٧.
(٣) نفس المصدر، ص ١٣٧.