للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النَّدوة، ولم يتخلَّف أحد من أهل الرأي والحِجَى منهم ليتشاوروا في أمره، وحضرهم إبليس في صورة شيخ كبير من أهل نجد مشتمل الصّمّاء في بَتّ (١)، فتذاكروا أمر رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فأشار كلّ رجل منهم برأي، كلّ ذلك يردّه إبليس عليهم ولا يَرضَاه لهم، إلى أن قال أبو جهل: أرى أن نأخذ من كلّ قبيلة من قريش غلامًا نهدًا جليدًا، ثمّ نعطه سيفًا صارمًا فيضربونه ضربةَ رجل واحد، فيتفرّق دمه في القبائل، فلا يدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تَصنع، قال: فقال النجدي: لله دَر الفتى! هذا والله الرأي وإلّا فلا، فتفرَّقوا على ذلك وأجمعوا عليه، وأتى جبريل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره الخَبر وأمره أن لا يَنام في مَضْجعه تلك الليلة (٢).

وجاء رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، إلى أبي بكر فقال: إنّ اللهَ، - عزّ وجلّ -، قَدْ أذِنَ ليَ في الخُرُوجِ، فقال أبو بكر: الصحْبَة (٣) يا رسول الله؟ فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: نَعَمْ، قال أبو بكر: فخُذْ بأبي أنت وأمي إحدى رَاحِلَتَيّ هاتين، فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: بالثّمَنِ، وكان أبو بكر اشتراهما بثمانمائة درهم من نَعَم بني قُشير، فأخذ إحداهما وهي القَصْواء، وأمرَ عليًا أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات فيه عليّ وَتَغَشَّى بُرْدًا أحمر حضْرميًا كان رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ينام فيه (٤).

واجتمع أولئك النَّفَر من قريش يتطّلعون من صِير (٥) الباب ويرصدونه يريدون ثيابه ويأتمرون أيّهم يحمل على المضطجع صاحب الفراش، فخرج رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، عليهم وهم جلوس على الباب، فأخذ حَفنة من البطحاء فجعلَ يذرّها على رءوسهم ويتلو: {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [سورة يس: ١ - ٢]: حتى بلغ: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [سورة يس: ١٠]: ومضى


(١) البت: الكساء الغليظ.
(٢) ابن هشام: السيرة النبوية ج ٢ ص ٤٨٠ فما بعدها.
(٣) ل، م "الصحابة" على خلاف ما جاء في الموضع المماثل لدى ابن هشام ج ٢ ص ٤٨٥ حين ورد الصحبة، ومثله لدى الصالحي ج ٣ ص ٣٣٧ وهو ما أثبته هنا.
(٤) ابن هشام ج ٢ ص ٤٨٥، والصالحي ج ٣ ص ٣٣٧.
(٥) الصير: شق الباب (النهاية).