قال عبيد الله: فوالله لَهِبْتُ كَلِمَتَه تلك فخرجت هاربًا من عبيد الله بن زياد، مخافة أن يوجّهني إليه فلم أزل في الخوف حتى انقضى الأمر، فندم عبيد الله على تركه نُصْرةَ حسين - رضي الله عنه - فقال (١): -
يقولُ أميرٌ غادِرٌ حَقُّ غادرِ … ألا كنْتَ قاتلْتَ الشهيد ابن فاطِمَهْ!
ونفسي على خذلانِه واعتزالِه … وَبَيْعةِ هذا النّاكِث العهد لائِمَه
فيا ندمًا ألّا أكونَ نَصَرْتُهُ … ألا كلُّ نفس لا تُسدّدُ نادمَهْ
وإنّي لأني لم أكن من حُمَاته … لذُو حسرةٍ ما أن تفارقُ لازمَهْ
سقى الله أرواحَ الذين تأزّروا … على نصرهِ سُقْيًا من الغيثِ دائِمَهْ
وقفتُ على أجداثهم ومحالِهم … فكاد الحَشَا يَرْفَضّ والعينُ ساجمهْ
لَعَمْري لقد كانوا مصاليت في الوَغى … سِراعًا إلى الهَيجا حُمَاةً خَضَارِمَهْ
تَأَسَّوْا على نصر ابن بنتِ نبيِّهم … بأسيافهم آسَادَ غِيلٍ ضَراغِمَه
وقد طاعنوا من دونه برماحهم … عصائب بورًا نابذتهم مَجَارِمَه
فإن يُقْتلُوا فكلُّ نفسٍ زكيّةٍ … على الأرضِ قد أضحَت لكَ اليومَ واجِمَهْ
وما إن رأى الراءون أصبر منهم … لدى الموت سادات وزهرا قماقمه
أتقتلهم ظلمًا وترجو ودادنا … فدع خطة ليست لنا بملائمهْ!!
لعمري لقد رغَّمتمونا بقتلهم … فكم ناقم منا عليكم وناقمهْ
أهمّ مرارًا أن أسير بجحفل … إلى فئة زاغت عن الحق ظالمهْ
فكفوا وإلا زرتكم في كتائب … أشد عليكم من زحوف الديالمهْ
وقال عبيد الله بن الحر أيضًا: -
أيرجو ابن الزبير اليوم نَصرى … بعاقبة ولم أنصر حُسينَا
وكان تَخلّفي عنه تبابا … وتركي نَصره غُبنا وحَيْنَا
ولو أني أواسيه بنفسي … أصبت فضيلة وقررت عَيْنا
وقال عبيد الله بن الحر أيضًا: -
(١) الطبري ج ٥ ص ٤٧٠.