بإزائَه من خلفه، وقال: إن عائشة حدثتني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: إن أراد قومك يبنون البيت على ما كان على عهد إبراهيم فليفعلوا ذلك. فأرتني عائشة الذي أراها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان عندي مذروعًا حتى وَليْت هذا الأمر، فلم أعْدُ به ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأى الناس يومئذ أنه قد أصاب.
وبنى البيت حتى بلغ موضع الركن الأسود فوضعه، وكان الذي وضعه حمزة بن عبد الله بن الزبير، وشده بالفضة لأنه كان انصدع، ثم ردّ الكعبة على بنائها، وزاد في طولها فجعله سبعًا وعشرين ذراعًا، وخلّق جوفها، ولطّخ جدرَها بالمسك حتى فرغ منها من خارج، وسترها بالديباج، وهو أول من كساها الديباج.
فلما فرغ من بناء الكعبة اعتمر من خيمة جُمانه ماشيًا معه رجال من قريش، ابن صفوان وعبيد بن عمير وغيرهما، ولبّى حتى نظر إلى البيت، وخيمة جمانة عند مسجد عائشة.
قال: وبايع أهل الشام مروان بن الحكم، فسار إلى الضحاك بن قيس الفهري وهو في طاعة ابن الزبير يدعو له، فلقيه بمرج راهط، فقتله وفَضّ جمعه. ثم رجع فوجه حُبَيش بن دَلَجة القيني في ستة آلاف وأربعمائة إلى ابن الزبير، فسار حتى نزل بالجرف في عسكره، ودخل المدينة فنزل في دار مروان - دار الإمارة - واستعمل على سوق المدينة رجلًا من قومه يدعى مالكا، أخاف أهل المدينة خوفًا شديدًا وآذاهم، وجعل يخطبهم فيشتمهم ويتوعدهم وينسبهم إلى الشقاق والنفاق والغش لأمير المؤمنين فكتب عبد الله بن الزبير إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وهو واليه على البصرة، أن يوجه إلى المدينة جيشًا، فبعث الحَنْتف (١) بن السّجْف التميمي في ثلاثة آلاف. فخرجوا معهم ألف وخمسمائة فرس وبغال وحمولة، وبلغ الخبر حبيش بن دلجة، فقال: نخرج من المدينة فنلقاهم، فإنا لا نأمن أهل المدينة أن يعينوهم علينا، فخرج وخَلّف على المدينة ثعلبة الشامي.
(١) كذا في الأصل، ومثله لدى البلاذري ق ٤ ج ١ ص ٣٥٣. ولدى الطبري ج ٥ ص ٦١٢، وابن عساكر في المختصر ج ٦ ص ١٩٤ "الحُنَيف".