للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: فعرفت والله أنه لن يَفِرّ وأنه سيصبر حتى يقتل (١).

قال: والشعر لسليمان بن قَتّة، قال: ثم سار عبد الملك، وسار مصعب، حتى الْتَقيا بمن معهما بمَسْكِن، فقال عبد الملك: ويلكم ما أصبهان هذه؟ قيل سُرّة العراق. قال: فقد - والله - كتب إليّ أكثر من ثلاثين رجلًا من أشراف أهل العراق، وكلهم يقولون: إن خِسْتُ بمصعبٍ فلي أصبهان؟ قال: فكتبت إليهم جميعًا: أَنْ نعم. فلما التقوا، قال مصعب لربيعة: تقدموا للقتال. فقالوا: هذه مخروءة بين أيدينا. فقال: ما تأتون أنتن من المخروءة - يعني تخلفهم عن القتال - وقد كانت ربيعة قبل ذلك مجمعة على خذلانه، فأظهرت ذلك، فخذله الناس ولم يتقدم أحد يقاتل دونه.

فلما رأى مصعب ما صنع الناس وخذلانهم إياه، قال: المرء ميت على كل حال، فوالله لئن يموت كريمًا أحسن به من أن يَضْرَع إلى مَن قَد وتَرَه، لا أستعين بربيعة أبدًا ولا بأحدٍ من أهل العراق، ما وجدنا لهم وفاء، انطلق يا بني - لابنه عيسى وهو معه - فاركب إلى عمك بمكة فأخبره بما صنع أهل العراق، ودعني فإني مقتول. فقال له ابنه: والله لا أخبر نساء قريش بشرّ عنك أبدًا. قال: فإن أردتَ أن تُقَاتِلَ، فتقدّم فَقَاتِل حتى أحْتَسبك.

فدنا ابنه عيسى فقاتل قتالًا شديدًا حتى أخذته الرماح من كل ناحية، وكثره القوم فقُتِل، ومُصعب جالسٌ على سريره، فأقبلَ إليه نَفَر ليقتلوه فقاتَلَهم أشد القتال حتى قُتل. وجاء عبيد الله بن ظبيان فاحتزّ رأسه فأتَى به عبد الملك بن مَروان، فأعطاه ألف دينار، فأبى أن يأخذها. وكان مُصعب قُتل على نهر يقال له: دُجَيْل (٢)، عند دَيْر الجَاثَلِيق (٣)، فأمر به عبد الملك وبابنه عيسى فدفنا، ثم


(١) الطبري ج ٦ ص ١٥٦.
(٢) دجيل: فرع من نهر دجلة، مخرجه من أعلى بغداد، بين تكريت وبينها، مقابل القادسية دون سامراء.
(٣) دير قديم البناء من نواحي دُجيل على غربيه على علو منه كانت الحرب بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير، وقتل مصعب بقربه، وقبره ظاهر عليه مشهد وقبة.