للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسبعين، وابن الزبير محصور، ثم صَدَرَ الحَجّاج وطارق حين فرغا من الحج، فنزلا بئر ميمون، ولم يَطُوفا بالبيت، ولم يَقْرَبا النساء ولا الطِّيب إلى أن قتل ابن الزبير، فطافا بالبيت، وذبحا جُزُرًا، وحصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القِعدة سنة اثنتين وسبعين، ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، وقُتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين (١).

وقدم على ابن الزبير حُبْشَان من أرض الحبشة يرمون بالمزاريق (٢)، فقدَّمهم لأهل الشام، فجعلوا يرمون بمزاريقهم، فلا يقع لهم مزراق إلا في إنسان، فقتلوا من أهل الشام قتلى كثيرة، ثم حمل عليهم أهل الشام حملة واحدة، فانكشفوا، وكان ابن الزبير يقدم أصحاب النكاية (٣) بالسيوف، ويتقدم هو ما يستفزه صياحهم، وكان معه قوم من أهل مصر، فقاتلوا معه قتالًا شديدًا، وكانوا خوارجًا، حتى ذكروا عثمان فتبرأوا منه، فبلغ ابن الزبير فناكرهم، وقال: ما بيني وبين الناس إلا باب عثمان فانصرفوا عنه (٤).

ونصب الحجّاجُ المنجنيق يرمي بها أحثَّ الرمي، وألحّ عليهم بالقتال من كل وجه، وحبس عنهم المِيرَة، وحصرهم أشدّ الحصار، حتى جُهدَ أصحابُ ابن الزبير، وأصابتهم مجاعة شديدة (٥).

وكان ابن الزبير قد وضع في كل موضع يخاف منه مَسْلحة، فكانت مسالحه كثيرة يطوف عليها أهل الثبات من أصحابه، وهم على ذلك مبلوغون من الجوع ما يقدر الرجل يقاتل ولا يحمل السلاح كما يريد من الضعف، وكانوا يستغيثون بزمزم فيشربون منها، فتعصمهم، وجعلت الحجارة من المنجنيق يُرْمى بها الكعبة، حتى يؤثر فيها كأنها جيوب النساء، ويُرْمَى بالمنجنيق من أبي قبيس فتمرّ الحجارة وابن الزبير يصلي عند المقام كأنه شجرة قائمة ما ينثني، تهوى الحجارة


(١) أورده ابن عساكر بسنده ونصه ص ٤٧٨ - ٤٧٩ نقلًا عن ابن سعد.
(٢) رماح قصيرة واحدها مزراق.
(٣) نكى العدو نكاية: أصاب منه.
(٤) أورده ابن عساكر في تاريخه ص ٤٧٩ نقلًا عن ابن سعد.
(٥) ابن عساكر ص ٤٨٠ نقلًا عن ابن سعد.