الزّبير النعمان بن بشير بحِمْص وزُفَر بن الحارث بقِنّسْرين، ثمّ دعا الضّحّاك بن قيس بدمشق الناس سرًّا، ثمّ دعا الناس إلى بيعة ابن الزبير علانية فأجابه الناس إلى ذلك وبايعوه له. وبلغ ذلك ابن الزّبير فكتب إلى الضّحّاك بن قيس بعهده على الشأم فكتب الضّحّاك إلى أمراء الأجناد ممّن دعا إلى ابن الزبير فأتوه، فلمّا رأى ذلك مروان خرج يريد ابن الزبير بمكّة ليبايع له ويأخذ منه أمانًا لبنى أُميّة وخرج معه عمرو بن سعيد بن العاص، فلمّا كانوا بأذرعات وهى مدينة البَثَنِيّة لقيهم عبيد الله بن زياد مقبلًا من العراق فقال لمروان: أين تريد؟ فأخبره، فقال: سبحان الله، أرَضيتَ لنفسك بهذا، تُبايع لأبي خُبيب وأنت سيّد بنى عبد مناف! والله لأنت أَولَى بها منه. فقال له مروان: فما الرأى؟ قال: أن ترجع وتدعو إلى نفسك وأنا أكفيك قريشًا ومَواليها ولا يخالفك منهم أحد. فقال عمرو بن سعيد: صدق عبيد الله، إنّك لَجِذمُ قريش وشيخها وسيّدها وما ينظر الناس إلّا إلى هذا الغلام خالد بن يزيد بن معاوية فتزوّج أمّه فيكون في حِجْرك وادْعُ إلى نفسك فأنا أكفيك اليمَانية فإنّهم لا يخالفوننى، وكان مطاعًا عندهم، على أن تبايع لى من بعدك. قال: نعم.
فرجع مروان وعمرو بن سعيد وَمَنْ معهما، وقدم عبيد الله بن زياد دمشق يوم الجمعة فدخل المسجد فصلّى ثمّ خرج فنزل باب الفَراديس فكان يركب إلى الضّحّاك بن قيس كلّ يوم فيسلّم عليه ثمّ يرجع إلى منزله، فقال له يومًا: يا أبا أُنيس، العجب لك وأنت شيخ قريش تدعو لابن الزّبير وتَدَع نفسك وأنت أرضَى عند الناس منه فادْعُ إلى نفسك. فدعا إلى نفسه ثلاثة أيّام فقال له الناس: أخذتَ بيعتنا وعهودنا لرجل ثمّ تدعو إلى خلعه عن غير حَدَثٍ أحدثه!
فلمّا رأى ذلك عاد إلى الدعاء لابن الزّبير فأفسَدَه ذلك عند الناس وغيَّر قلوبهم عليه، فقال عبيد الله بن زياد ومكر به: من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون، يبرز ويجمع إليه الخيل، فاخْرُجْ عن دمشق واضْمُمْ إليك الأجناد.
فخرج الضّحّاك فنزل المَرْج وبقى عبيد الله بدمشق ومروان وبنو أُميّة بتَدْمُرْ وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية بالجابية عند خالهما حسّان بن مالك بن بَحْدَل. فكتب عبيد الله إلى مروان أن ادْعُ الناس إلى بيعتك واكْتُب إلى حسّان بن مالك فليأتك فإنّه لن يردّك عن بيعتك، ثمّ سِرْ إلى الضّحّاك فقد أصحر لك.