للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثمّ انصرف من الصلاة وبه جراحات كثيرة، فتقلّد السيف ونزع الدرع، ولبس ساعدين من ديباج، ثمّ حثّ الناس على القتال، وأهل المدينة كالأنعام الشُّرّد، وأهل الشأم يقتلونهم في كلّ وجه. فلمّا هُزم الناس طرح الدرع وما عليه من سلاح وجعل يقاتلهم وهو حاسر حتى قتلوه، ضربه رجل من أهل الشأم ضربةً بالسيف فقطع منكبيه حتى بدا سَحْره ووقع ميّتًا، فجعل مُسْرِف يطوف على فرس له في القتلى ومعه مروان بن الحكم، فمرّ على عبد الله بن حنظلة وهو مادّ إصبعه السبّابة فقال مروان: أما والله لئن نصبتَها ميّتًا لطالما نصبتها حيًّا.

ولما قُتل عبد الله بن حنظلة لم يكن للناس مقام، فانكشفوا في كلّ وجه. وكان الذى ولىَ قتل عبد الله بن حنظلة رجلان شرعا فيه جميعًا، وحزّا رأسه، وانطلق به أحدهما إلى مُشرِف وهو يقول: رأس أمير القوم. فأومأ مسرف بالسجود وهو على دابته وقال: من أنت؟ قال: رجل من بَنى فَزارة. قال: ما اسمك؟ قال: مالك. قال: فأنت وَلِيتَ قَتلْه وحزَّ رأسِه؟ قال: نعم. وجاء الآخر رجل من السَّكون من أهل حِمْص يقال له: سعد بن الجَوْن فقال: أصلح الله الأمير! نحن شرعنا فيه رمحينا فأنفذناه بهما، ثمّ ضربناه بسيفينا حتى تثلّما ممّا يلتقيان.

قال الفزارى: باطل، قال السكونى فأحلفه بالطلاق والحُرّيّة فأبَى أن يحلف، وحلف السكونى على ما قال، فقال مسرف: أمير المؤمنين يحكم في أمركما. فَأْبَردهما (١) فقدما على يزيد بقتل أهل الحرّة وبقتل ابن حنظلة، فأجازهما بجوائز عظيمة، وجعلهما في شرف من الديوان، ثمّ ردّهما إلى الحُصين بن نُمير فقُتلا في حصار ابن الزبير. قال وكانت الحرّة في ذى الحجةّ سنة ثلاثٍ وستّين *).

أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنى سليمان بن كنانة عن عبد الله بن أبى سفيان قال: سمعتُ أبى يقول: رأيتُ عبد الله بن حنظلة بعد مقتله في النوم في أحسن صورة معه لواؤُه فقلت: أبا عبد الرحمن أما قُتِلتَ؟ قال: بلى ولقيتُ ربّى فأدخلنى الجنّة فأنا أسرح في ثمارها حيث شئت. فقلتُ: أصحابك ما صُنع


(١) بهامش ل "فأبردهما: أى حملهما على البريد".